وكسينوكراتيس
Xenokrates .
كان زينون طويل القامة نحيف الجسم شديد سواد الجلد، رأسه مائل على كتفه. وكان يرتدي الأقمشة البسيطة الرخيصة، ويقنع في مأكله بالقليل من الخبز والتين والعسل والقليل من النبيذ. وكان سلوكه سلوك الرجل الوقور، وتبدو على هيئته سمات الجد والانقباض، ولكنه لم يكن يأنف أن يغشى أحيانا مجالس الأنس والمرح، فإذا سئل في ذلك أجاب بأن طبيعة الترمس المرارة، فإذا نقع بالماء مدة طاب مساغا. وكان زينون يؤثر الصمت على الثرثرة في حين كان الأثينيون يميلون إلى كثرة الكلام. يروون أن زينون قال في ذلك: «إن لنا لسانا واحدا وأذنين؛ لنعلم أننا ينبغي أن ننصت أكثر مما نتكلم.» وكان زينون موجز العبارة، لم يعن في كتابته بفصاحة ولا أسلوب. كان بنشأته يميل إلى السليقة ويحتقر التصنع أو التكلف على أن خشونة الطبع وغلظة القول، وسط قوم مغرمين بالرشاقة والجمال، لم يكونا ليحولا بين زينون وبين التأثير في مستمعيه أبلغ تأثير. أجمع القدماء على أن زينون كان على خلق عظيم، وأن حياته على بساطتها كانت دائما قدوة طيبة ومثالا أخلاقيا عاليا. بلغ هذا الحكيم من قوة الإرادة وطول الصبر وضبط النفس والعفة والسيطرة على الهوى، مبلغا أدهش معاصريه؛ فكان الأثينيون يضربون به المثل قائلين «أضبط لنفسه من زينون!»
عاش زينون حتى بلغ من العمر 98 سنة. ولما مات رثاه الأثينيون رثاء رسميا، وأصدر أولو الأمر قرارا أعلنوا فيه أنه استحق تقدير الوطن لخدماته وحثه الشبيبة على الفضيلة والحكمة؛ ولذلك منحوه تاجا من ذهب وقبرا من مدافن العظماء.
وفي سن صغيرة كتب «جمهورية الحكماء»
والتي من بعض الجوانب قدمت التبرير الفكري لفتوحات الإسكندر الأكبر وحلمه؛ أي الحكومة العالمية والإخاء بين البشر. وبذلك قدم زينون النموذج الذي احتذاه الرومان وغيرهم من مؤسسي الإمبراطوريات فيما بعد. كانت جمهورية زينون الرواقية يوتوبيا أفلاطونية النزعة والنكهة، وإن كان بها ما يتناقض مع أفلاطون ومبادئه فهي تركز على المبادئ الكلبية والأفكار الأقدم عن «الحياة وفق الطبيعة» التي يحياها الحكيم الرواقي، وهو ما صار يعرف فيما بعد في روما
ad naturam vivere . كانت الآلهة عند زينون كائنات كونية وليست أنثروبومورفية هومرية. إنها الشمس والقمر والنجوم، إنها آلهة تعيش في عالم واحد مع البشر
Cosmopolis
حيث تشاركهم كل شيء. وهنا نلاحظ تأثير الفلك البابيلوني على زينون. وهذه المبادئ الرواقية تجسد القانون الطبيعي الإلهي والعدالة الكونية، التي جاءت استجابة أخلاقية للفرد اليائس والمغترب بعد فقدان نظام دولة المدينة
وطغيان القوى الكبرى والضاغطة على الكيانات الصغرى وفي مقدمتها الفرد. في تلك الظروف لم يعد من هاد للبشرية في هذه المتاهة الحديثة سوى اللجوء للمنطق، الحب، الحرية، الوئام وما شابه ذلك. وجمهورية زينون يحكمها الحكماء الممتازون
Page inconnue