2
الخيلاء هي أعظم مفسد للعقل؛ وحيثما تكن واثقا كل الثقة في أهمية عملك تكن في الوقت نفسه مخدوعا بها كل الخداع. فلتنظر إذن ماذا قال أقراطيس (كراتيس) عن زينوقراطيس (كيسنوكراتيس) نفسه.
3 (6-14) معظم الأشياء التي تعجب العوام تنتمي إلى أشد الفئات عمومية، تلك التي تنضوي معا ب «التماسك»
cohesion ، أو بالنماء الطبيعي؛ مثل الحجارة والخشب وشجر التين والكروم والزيتون. أما الأشياء التي تعجب من هم أكثر عقلانية بقليل فتنتمي إلى فئة الأشياء التي يجمعها مبدأ الحياة: كالقطعان والأسراب. أما التي تعجب من هم بعد أكثر رقيا فتنحصر في المخلوقات العاقلة، ولكن بقدر ما يسعفها العقل في حرفة يدوية أو أية مهارة أخرى، أو شأن المولعين بمجرد امتلاك جمع من العبيد. أما الإنسان الذي يقدر الروح حق قدرها من حيث هي عاقلة وسياسية في آن فلا يعنيه إلا أن تظل روحه في حالة نشاط عقلي واجتماعي دائم، وأن يتعاون مع أضرابه من أجل هذه الغاية. (6-15) بعض الأشياء تحث الخطو إلى الوجود، وبعضها يحث الخطو إلى الخروج منه، وبعض ما يولد يكون هالكا من الأصل. التجدد والتغير يجدد العالم على الدوام، كما يجدد المسير الدائب للزمن أمد العصور إلى الأبد. في هذا التيار المتدفق؛ حيث لا ثبات لقدم، ماذا يمكن للمرء أن يجل من كل ما يتدافع أمامه؟ لكأنه ما يكاد يولع بعصفور يطير أمامه حتى يكون قد اختفى عن بصره. شبيه بذلك حياتنا نفسها؛ عابرة كزفير من الدم أو كشهيق من الهواء. لا فرق بين شهقة تأخذها وتعيدها إلى الهواء، مثلما تفعل كل لحظة، وبين أن ترد كل قدرتك التنفسية، التي اكتسبتها عند ولادتك أمس أو أمس الأول، إلى العالم الذي سحبتها منه أول مرة. (6-16) لا فضل في النتح، كما هو الحال في النبات، ولا في التنفس كما في الأنعام والوحوش، ولا في تلقي الانطباعات الحسية بمظهر الأشياء، ولا في التحرك بالرغبات كما تتحرك الدمى بالخيوط، ولا في التجمع القطيعي، ولا في تناول الغذاء (فلا فرق في شيء بين فعل الغذاء وفعل إخراج فضلات الغذاء)، أي شيء إذن ينبغي أن نفضله ونعلي قدره؟ أن نستقبل بالتصفيق؟ كلا، ولا أن نستقبل بهتاف الألسنة؟ فهتاف الجماهير هو مجرد تصفيق بالألسنة. إذن فقد اطرحت زيف المجد أيضا. فماذا يبقى هناك ذا قيمة حقيقية؟ يبقى هذا من وجهة نظري؛ أن تفعل، أو تحجم عن الفعل، وفقا لفطرتك الحقة، الفطرة التي إلى غايتها تفضي كل الأعمال والفنون؛ فكل فن يتغيا أن يكيف الشيء المصنوع للعمل الذي من أجله صنع. الكرام الذي يعتني بالكرم، وسائس الخيل ومربي الكلاب ... كلهم يرمون إلى هذه الغاية، فماذا تكون الغاية التي ترمي إليها تربية النشء وتعليمهم؟
ها هنا إذن تكمن القيمة الحقيقية؛ وإذا أنت قبضت على هذه القيمة فلن تصبو إلى اكتساب أي شيء آخر، ولن تعود تعلي من شأن كثير من الأشياء الأخرى إلى جانبها. وإلا فلن تكون حرا أو مكتفيا بذاتك أو خاليا من الانفعال، وستضطر إلى الحسد والغيرة والتوجس ممن لديهم القدرة على أن يسلبوا منك هذه الأشياء، والتآمر على من يملكون ما تراه ثمينا. وباختصار، فكل من يشعر بالحاجة إلى أي شيء من هذه الأشياء يكون بالضرورة منغص العيش، بل سيدفعه ذلك في أحيان كثيرة إلى أن يتذمر على الآلهة. أما توقيرك لعقلك وإكبارك له فسوف يجعلك راضيا منسجما مع رفاقك متوافقا مع الآلهة؛ أي حامدا لهم كل ما يمنحون وكل ما قضوا به.
4 (6-17) أعلى وأسفل، هنا وهناك، تمضي حركة العناصر. أما حركة الفضيلة فلا تتخبط هكذا أبدا؛ فهي شيء أكثر قدسية، وعلى طريق ليس من السهل تبينه تمضي قدما في غبطة. (6-18) عجبا لبني الإنسان ... إنهم لم يمجدوا من يعيش بين ظهرانيهم في زمان واحد، ولكنهم يصبون إلى أن تمجدهم الأجيال القادمة التي لا يرونها ولن يروها أبدا، ولكن، هل يسوءك أن الأجيال السابقة لم تسمع بك ولم تمجدك قط؟ فهذا وذاك سيان. (6-19) لا تتصور أن ما هو صعب عليك تحقيقه هو مستحيل على أي إنسان، بل إذا كان شيء ممكنا للإنسان وملائما لطبيعته فاعتبره أيضا ممكنا لك وداخلا في نطاق قدرتك ومنالك. (6-20) في حلبة اللعب قد يخدشك خصم بأظافره، أو ينطحك برأسه. غير أننا لا نصمه من أجل ذلك ولا نتأذى ولا نتوجس منه بعد ذلك كرفيق خائن. صحيح أننا قد نأخذ حذرنا منه، لا كعدو أو مريب، بل بمودة وهدوء نتنحى عن طريقه فحسب. كذلك ينبغي أن يكون الحال في جوانب الحياة الأخرى؛ هناك أناس هم «خصوم في اللعب» وعلينا أن نغضي عما يفعلونه، وبوسعنا أن نتجنبهم، كما قلت، من غير ارتياب أو عداوة. (6-21) إذا ما استطاع إنسان أن يثبت لي أني على خطأ ويبين لي خطئي في أي فكرة أو فعل، فسوف أغير نفسي بكل سرور، إن أريد إلا الحق ، وهو مطلب لم يضر أي إنسان قط، إنما الضرر هو أن يصر المرء على جهله ويستمر في خداع ذاته. (6-22) إنني أؤدي واجبي، ولا تعنيني الأشياء الأخرى؛ فهي إما أشياء غير حية، وإما غير عاقلة، وإما تاهت ولا تعرف الطريق. (6-23) تعامل مع الحيوانات العجماء، وجميع الأشياء بعامة، بكرم وتسامح، ما دمت تملك عقلا وهي محرومة منه. أما البشر، من حيث إن لديهم عقلا، فتعامل معهم بروح اجتماعية. وادع الآلهة في كل أمر. ولا تكرث نفسك بطول الزمن الذي سوف تحياه في هذا العمل؛ فمجرد ساعات ثلاث تقضيها هكذا تكفي. (6-24) الموت سوى بين الإسكندر المقدوني وسائس بغاله؛ فإما أنهما استردا إلى نفس المبدأ المولد للعالم، وإما تشتتا معا بين ذرات الكون. (6-25) تأمل كم من الأحداث، الجسدية والعقلية، يجري في داخل كل منا في نفس الآنة الزمنية الضئيلة. عندئذ لن يأخذك العجب إذا كانت أحداث أكثر، أو بالأحرى كل ما يأتي إلى الوجود، تعيش معا في الواحد والكل الذي نسميه العالم. (6-26) إذا سألك سائل كيف يكتب اسم «أنطونينوس» فسوف تبين له ذلك بتشديدك على مقاطع الكلمة. فماذا لو ماراك الناس في ذلك؟ أستغضب أنت أيضا، أم تمضي بهدوء فتبين لهم تعاقب الأحرف الواحد تلو الآخر؟ كذلك الحال في حياتك هنا، تذكر أن كل مهمة هي المجموع المكتمل لأفعال معينة. عليك أن تراعي ذلك وألا تضطرب أو تجيب على غضب الآخرين بغضب مثله، بل تمضي في كل مهمة أمامك بمنهجية حتى تتمها. (6-27) ما أقسى أن تمنع الناس من السعي إلى ما يبدو لهم مسايرا لمصلحتهم ونفعهم. غير أنك تمنعهم، بمعنى ما، حين يغضبك أنهم على خطأ؛ فمن المتيقن أنهم مدفوعون إلى صالحهم ونفعهم. - «ولكنهم مخطئون في ذلك.» - إذن علمهم، وأرشدهم، دون أن تغضب عليهم.
5 (6-28) الموت انعتاق من الاستجابة للحواس، ومن خيوط دمى الرغبة، ومن العقل التحليلي، ومن خدمة اللحم.
6 (6-29) من العار أن تخذلك الروح في هذه الحياة قبل أن يخذلك جسمك. (6-30) احرص ألا تتحول إلى قيصر،
7
وألا تصطبغ بهذه الصبغة؛ فقد تقع في ذلك إذا لم تتوخ الحذر. فكن دائما بسيطا، طيبا، جادا، غير مراء، محبا للعدل، خاشعا لله، لينا، رفيقا، ذا همة في كل ما تندب له. كن موقرا للآلهة وراعيا للناس؛ فالحياة قصيرة والتقوى والعمل الصالح هما الثمرة الوحيدة لهذه الحياة الأرضية.
Page inconnue