Scenes from the Lives of the Companions
صور من حياة الصحابة
Maison d'édition
دار الأدب الاسلامي
Numéro d'édition
الأولى
الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾(١).
فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الكَلَامَ وَمَا أَجْمَلَهُ؟! أَوَ كُلُّ كَلَامِهِ مِثْلُ هَذَا؟!
فَقَالَ مُعَاذٌ: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا يَا أَبَاهُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تُجَابِعَهُ، فَقَوْمُكَ جَمِيعاً قَدْ بَايَعُوهُ ... سَكَتَ الشَّيْخُ قَلِيلاً ثُمَّ قَالَ:
لَسْتُ فَاعِلاً حَتَّى أَسْتَشِيرَ ((مَنَاةً)) فَأَنْظُرَ مَا يَقُولُ.
فَقَال لَهُ الفَتَى: وَمَا عَسَى أَنْ يَقُولَ ((مَنَاةُ)) يَا أَبَتَاهُ، وَهُوَ خَشَبٌ أَصَمُ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنْطِقُ.
فَقَالَ الشَّيْخُ - فِي حِدَّةٍ -: قُلْتُ لَكَ لَنْ أَقْطَعَ أَمْراً دُونَهُ(٢).
***
ثُمَّ قَامَ عَمْرُو بْنُ الجَمُّوحِ إِلَى ((مَنَاةَ)) - وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ جَعَلُوا تَخَلْفَةُ امْرَأَةً عَجُوزاً، فَتُجِيبُ عَنْهُ بِمَا يُلْهِمُهَا إِيَّاهُ - فِي زَعْمِهِمْ -، ثُمَّ وَقَفَ أَمَامَهُ بِقَامَتِهِ المَمْدُودَةِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى رِجْلِهِ الصَّحِيحَةِ، فَقَدْ كَانَتِ الأُخْرَى عَرْجَاء شَدِيدَةَ العَرَجِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ أَطْيَبَ الثَّنَاءِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ((مَنَاةُ)) لَا رَيْبَ أَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ بِأَنَّ هَذَا الدَّاعِيَةَ الَّذِي وَفَدَ عَلَيْنَا مِنْ مَكَّةَ لَا يُرِيدُ أَحَداً بِسُوءٍ سِوَاكَ ... وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيَنْهَانَا عَنْ عِبَادَتِكَ ...
وقَدْ عَزَمْتُ أَنْ أُبَايِعَهُ - عَلَى الرَّغْمِ مِمَّا سَمِعْتُهُ مِنْ جَمِيلِ قَوْلِهِ - حَتَّى أَسْتَشِيرَكَ، فَأَشِرْ عَلَيَّ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ((مَنَاةُ)) بِشَيْءٍ.
فَقَالَ: لَعَلَّكَ قَدْ غَضِبْتَ ... وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْ شَيْئًا يُؤْذِيكَ بَعْدُ...
(١) سورة الفاتحة.
(٢) لن أقطع أمراً دونه: لن أحسم أمراً بدون الرجوع إليه.
78