Scenes from the Lives of the Companions
صور من حياة الصحابة
Maison d'édition
دار الأدب الاسلامي
Numéro d'édition
الأولى
مَضَى مَجْزَةُ بْنُ ثَوْرٍ تَحْتَ جَنْحِ الظَّلَامِ مَعَ دَلِيلِهِ الفَارِسِيِّ، فَأَدْخَلَهُ فِي نَفَقٍ (١) تَحْتَ الأَرْضِ يَصِلُ بَيْنَ النَّهْرِ وَالمَدِينَةِ.
فَكَانَ النَّفَقُ يَتْسِعُ تَارَةً حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنَ الخَوْضِ فِي مَائِهِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَيَضِيقُ تَارَةً أُخْرَى حَتَّى يَحْمِلَهُ عَلَى السَّاحَةِ حَمْلاً.
وَكَانَ يَتَشَعَّبُ وَيَتَعَرَّجُ مَرَّةً، وَيَسْتَقِيمُ مَرَّةً ثَانِيَةً...
وَهَكَذَا حَتَّى بَلَغَ بِهِ المَنْفَذَ الَّذِي يَنْفُذُّ مِنْهُ إِلَى المَدِينَةِ، وَأَرَاهُ ((الهُرْمُزَانَ)) قَاتِلَ أَخِيهِ، وَالمَكَانَ الَّذِي يَتَحَصَّنُ فِيهِ.
فَلَمَّا رَأَى مَجْزَةُ ((الهُرْمُزَانَ))، هَمَّ بِأَنْ يُرْدِيَهُ بِسَهْمٍ فِي نَحْرِهِ، لَكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ تَذَكّرَ وَصِيَّةَ أَبِي مُوسَى لَهُ بِأَلَّا يُحْدِثَ أَمْراً، فَكَبَحَ جِمَاحَ(٢) هَذِهِ الرَّغْبَةِ فِي نَفْسِهِ، وَعَادَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ قَبْلَ بُزُوغِ الفَجْرِ.
***
أَعْدَّ أَبُو مُوسَى ثَلاثَمِائَةً مِنْ أَشْجَعِ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ قَلْباً، وَأَشَدِّهِمْ جَلَداً وَصَبْراً، وَأَقْدَرِهِمْ عَلَى الْعَوْمِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مَجْزَةَ بْنَ ثَوْرٍ وَوَدَّعَهُمْ وَأَوْصَاهُمْ... وَجَعَلَ التَّكْبِيرَ عَلَامَةً عَلَّى دُخُولِ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ لِاقْتِحَامِ المَدِينَةِ.
أَمَرَ مَجْزَةُ رِجَالَهُ أَنْ يَتَخَفَّفُوا مِنْ مَلَابِسِهِمْ مَا اسْتَطَاعُوا حَتَّى لَا تَحْمِلَ مِنَ المَاءِ مَا يُثْقِلُهُمْ.
وَحَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا مَعَهُمْ غَيْرَ سُيُوفِهِمْ... وَأَوْصَاهُمْ أَنْ يَشُدُّوهَا عَلَى أَجْسَادِهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ...
(١) النفق: ممر تحت الأرض.
(٢) كبح جماح رغبته: رد نفسه عن هواها، ولم يحقق لها رغبتها.
164