Scenes from the Lives of the Companions

Abdurrahman Ra'fat Al-Basha d. 1406 AH
10

Scenes from the Lives of the Companions

صور من حياة الصحابة

Maison d'édition

دار الأدب الاسلامي

Numéro d'édition

الأولى

وَقَدْ غَدَا أَنَسْ عَلَى طُولِ هَذَا الْعُمُرِ الْمَدِيدِ مَرْجِعًا لِلْمُسْلِمِينَ، يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ كُلَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ، وَيُعَوِّلُونَ (١) عَلَيْهِ كُلَّمَا اسْتَغْلَقَ (٢) عَلَى أَفْهَامِهِمْ حُكْمٌ.

مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ بَعْضَ الْمُمَارِينَ فِي الدِّينِ جَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي ثُبُوتِ حَوْضِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَأَلُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:

مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَرَى أَمْثَالَكُمْ يَتَمَارَوْنَ (٣) فِي الْحَوْضِ، لَقَدْ تَرَكْتُ عَجَائِزَ خَلْفِي مَا تُصَلِّي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتِ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَهَا مِنْ حَوْضِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

***

وَلَقَدْ ظَلَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَعِيشُ مَعَ ذِكْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا امْتَدَّتْ بِهِ الْحَيَاةُ...

فَكَانَ شَدِيدَ الْبَهْجَةِ بِيَوْمِ لِقَائِهِ، سَخِيَّ الدَّمْعَةِ عَلَى يَوْمِ فِرَاقِهِ، كَثِيرَ التَّزْيِيدِ لِكَلَامِهِ...

حَرِيصًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، يُحِبُّ مَا أَحَبَّ، وَيَكْرَهُ مَا كَرِهَ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَيَّامِهِ يَوْمَانِ:

يَوْمُ لِقَائِهِ مَعَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَوْمُ مُفَارَقَتِهِ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ.

فَإِذَا ذَكَرَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَعِدَ بِهِ وَانْتَشَى (٤)، وَإِذَا خَطَرَ لَهُ الْيَوْمُ الثَّانِي انْتَحَبَ وَبَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ.

وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا، وَرَأَيْتُهُ يَوْمَ قُبِضَ مِنَّا، فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ يُشْبِهَانِهِمَا.

(١) يُعَوِّلُونَ: يعتمدون.
(٢) اسْتَغْلَقَ: أشكل عليهم وغَمُضَ.
(٣) يَتَمَارَوْنَ: يتنازعون.
(٤) انْتَشَى: كأنه شم رائحةً طيبةً.

14