Socrate : l'homme qui osait poser des questions
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Genres
ولكن أحدا لم ير في مدينة أثينا الإغريقية صبيا باسم سقراط بدأ يتطور إلى فيلسوف، أقول: إن أحدا لم ير ذلك، اللهم إلا إن كان صديقه أقريطون، فلربما رأى ذلك أقريطون وذكره عندما صار شيخا، ورواه في شيء يشبه ما يلي، أما بقية القصة حتى نهايتها فمصدره جهات متعددة، فهو يصدر عن كتاب التاريخ، كما يصدر عن الحجارة القديمة، وعن الصغار من أصدقاء سقراط، وبخاصة صديقه أفلاطون، بيد أن هذا الفصل الأول لا يمكن أن يذكره إلا أقريطون وحده، وعلى أقريطون أن يرويه لنا.] •••
عندما رأيت سقراط لأول مرة - وكان ذلك في المدرسة فيما أذكر، أو ربما كان قبل أيام الدراسة؛ لأن بيته لم يكن يبعد عن منزلي - حسبته أقبح صبي في أثينا، ولم تكن هذه الفكرة صادقة كل الصدق؛ إذ لم تكن بوجهه كآبة أو ندوب أو علة، إنما كانت المادة التي صيغ منها كأنها أكثر خشونة وأشد صلابة من المادة التي صيغ منها غيره من الأطفال، عيناه تجحظان كعيني ضفدعة، وشفتاه غليظتان، وأنفه الأفطس يبدو كأنه دلك على طريقة خاطئة وهو في المعهد، وكانوا يسمونه في المدرسة «وجه الضفدع».
إني أحدثكم عن وجهه، وإن كنت أنا نفسي كففت عن النظر إليه - والصديق يختلف إحساسه بجلد الوجه وعظامه - لأنكم هكذا ستنظرون إليه لأنكم غرباء، ثم إني أعرف أن الأمر يختلف لديه، فلقد سمعته يضحك منه منذ ذلك الحين، سمعته يزعم أن العيون التي تشبه عينيه إنما خلقت لتنظر في جميع الجهات، وأن الأنف الأفطس يلتقط الروائح أحسن مما يلتقطها أنف طويل مستقيم، ولكني أعرف أنه قبل أن يتعلم المزاح بشأن خلقته كان كثيرا ما يتشاجر بسببها مع الصبية الآخرين، وأنه أحيانا - بعد أن يكف عن الصراع في الخارج - كان يعاني صراعا داخليا.
ولذا كان للقبح تأثير عليه - تأثير أكبر مما يظن أي إنسان - لأنه كان في جملته طفلا سعيدا متطلعا إلى الخارج، ولقد حدثني محدث عن دعاء سمع سقراط مرة يدعوه بعد ذلك بسنوات؛ خرجا معا إلى الريف، وأراد سقراط أن يؤدي صلاة لآلهة المكان الذي قصد إليه، وما أكثر ما كان يفعل سقراط ذلك؛ يصلي عندما يستمتع بحياته، وكذلك كانت صلاته تتفق وما جبلت عليه نفسه، دعا الآلهة أن تهبه كنوز الحكمة، ونفسا متزنة تحمل هذه الكنوز، كما دعاها أن تهبه البساطة، وأن يتفق مظهره مع مخبره، ولكن فاتحة الدعاء هي أشد ما أذهلني، فلقد قال: «اجعليني جميلا في داخلي.» وتذكرت عندما سمعت ذلك أنني كنت هناك عندما بدأت الفكرة لديه، عندما بدأ يوجه الأسئلة عن الجمال منذ سنوات مضت.
وعندما أقول «الجميل» قد تحسبونني في أذهانكم أعني «الظريف»؛ لأنكم أجانب، ولكن لكي تفهموا قصدي اعلموا أنني إنما أعني «الفاخر» أو «الجليل»، ذلك ما يعنيه لنا لفظنا «الجميل»، وكثيرا ما نستخدم هذا اللفظ، ولكن عندما بدأ سقراط يتساءل عن الجميل لم نفهمه بادئ الأمر أكثر مما لو كنتم أنتم تفهمونه.
وأول ما لحظت ذلك كان في درس من دروس الموسيقى، فلقد طلب إلينا جلوكس العجوز أن ننشد الأغاني المألوفة من «الشاعر» في ذلك اليوم، وكثيرا ما كنت لا ألتفت البتة لما كنا نقول إلا أن أصيب في إلقاء الكلمات، بسبب العصا التي كانت في ركن من الأركان، غير أن جلوكس اختار هذه المرة أنشودة من الأجزاء التي كنت أحبها؛ ولذا فقد تنبهت كما تنبه سقراط الذي كان يجلس إلى جواري.
لا شك أنكم تعرفون القصة: كيف تشاجر البطل أخيل مع الملك ورفض أن يقاتل من أجله في المعركة بعد ذلك، غير أن صديقه قتل وهو يحاول أن يحل محل أخيل، وبعدئذ لم يستطع أي شيء أن يصد أخيل عن القتال، بالرغم من أن أمه الإلهة أنذرته بأنه إنما يسير نحو حتفه، فأجابها أخيل بخطاب جليل عندئذ، قائلا إنه يؤثر الموت على أن يتخلى عن الصديق ، وأنه إن ابتعد عن المعركة في ذلك الحين فإنما يصبح عبئا على وجه الأرض.
وكان خطابا جليلا ترن فيه أصداء المعركة، وقد عرفتم أن أم أخيل كانت على صواب في رأيها عما سيحدث، وأنه كان يعلم صواب رأيها، وأن خيوله ذاتها سوف تحزن عليه بعد وقت قريب، ومن ثم فقد أحسست أن الخطاب كان جليلا، فصوبت نظري نحو سقراط لأعلم رأيه فيه، إذ كان بالفعل يهمني أن أعرف رأي سقراط في كل شيء.
ألقيت عليه نظرة من عل - وكان أقصر مني قامة، وإن كنا في سن واحدة - فرأيت عليه مسحة أحببت من ذلك الحين أن أراها عليه في كثير من الأحيان، انفرجت عيناه العجيبتان الجاحظتان، وتألق وجهه القبيح الصغير بشرا مصدره القلب، وهمس قائلا: «كان خطابا جميلا يا أقريطون، أفسمعت؟» ثم اضطر كلانا إلى الصمت بسبب العصا، وسرعان بعد ذلك ما أطلق شخص ما صرصورا استقر تحت أنف جلوكس تماما، فنسيت ما كان بشأن أخيل.
تذكرت هذا فيما بعد عقب مباراة المصارعة، وكنت بطلا فيها بين أترابي في ذلك الحين رغم حداثتي في التمرين بطبيعة الحال، ولم أتقدم قط للألعاب الكبرى، ولكني أحسنت في ذلك اليوم وعرفت ذلك، وسرني أن سقراط كان حاضرا يشهدني.
Page inconnue