La boîte du monde
صندوق الدنيا
Genres
هذا فيما يتعلق بالعلوم والمعارف، أما من حيث السلوك والسيرة، فالمسألة أدق والمشكل أشد تعقدا، ذلك أنه لا يزال يلقن - في المدرسة وفي البيت - أن للخير والشر آثارا ونتائج تحيره جدا حين يتأملها أو يحاول أن يردها إلى أسبابها، مثال ذلك: أنه غافلنا مرة واقتطف من الكرمة عنقودا اضطره اقتطافه إلى المخاطرة بالتسلق، وأكله، ولم يكتمني أنه كذب حين سئل في ذلك فقال: إن العنب كان يثب إلى فمه. ومن العجيب - في رأيه هو - أنه كان في ذلك اليوم أصح وأنشط وأنه لم يصبه سوء ما، وأن الله لم يعاقبه لا على الكذب ولا على أكل العنب خلسة، ولا على الخطأ في كظ معدته وإدخال طعام على طعام. ولم أكن أتوقع من ابني هذه المحاضرة التي باغتني بها وعارض لي فيها الواقع بما في الكتب وما على ألسنة المربين، فحرت ولم أدر ماذا أقول له. وتحلل العزم على تأنيبه وألفيتني أفكر في الطفولة وطبيعتها، وفيما نمسخ به هذه الطبيعة بما نحاول من إكراهها عليه وصبها فيه، ثم تملكني روح العبث الذي أنكره عليه والذي كنت أهم أن أزجره عنه، فقعدت على الرمل وأقعدته أمامي وقلت له بعبارة أقرب من هذه إلى مستوى إدراكه: «اسمع. إني أفكر الآن في تأليف كتاب على نمط جديد، كتاب مدرسي ولكنه يخالف كل ما في المدارس من الكتب، كتاب لذيذ ممتع جدا، ولكني لا أستطيع أن أضعه وحدي، بل لا بد لي من معين، فما قولك في معاونتي؟ هل تقبل أن تشاركني في تأليف هذا الكتاب؟»
فنهض إلى ركبتيه وأقبل على وجهي يربت لي خدي بكفيه الصغيرتين ويسألني وهو يضحك : «يا بابا ماذا تقول؟»
أقول: «إني أريد - بمعونتك - أن نصلح هذه الدنيا التي نراها - أنا وأنت - مقلوبة.»
قال: «وكيف تفعل ذلك؟ وكيف أساعدك أنا؟ وماذا يسعني؟»
قلت: «يسعك شيء كثير جدا، فليس كونك صغيرا بمانع أن يكون لك عمل كبير. ولكن لا تربكني بكثرة الأسئلة، وخير لنا وأنجح لقصدنا أن نتقصى الموضوع على مهل. ويجب قبل كل شيء أن أكون واثقا من استعدادك لمعاونتي ومن أنك ستفكر تفكيرا جديا فيما يستقر عليه رأينا.»
فتعهد لي بذلك. فقلت له: «أليست شكواك أن الكبار من أمثالي ...» - «ليسوا من أمثالك يا بابا ...» - «حسن، أليست شكواك أن الكبار - غيري - لا يحسنون تعليم الصغار أمثالك؟»
قال: «نعم.»
قلت ماضيا في كلامي: «وأن الكبار يلزمون الصغار سلوكا يبدو للصغار غير معقول ويعاملونهم معاملة يمكن أن نسميها غير عادلة؟»
قال: «نعم. وأنا أقول لك لماذا ينبغي دائما أن أنام في الساعة الثامنة، لماذا لا يسمح لي بالسهر أحيانا مع الكبار إلى أن أحس بالحاجة إلى النوم؟ وإذا لم أنم كما تريد جدتي - حتى في النهار - فإنها تقول لي: إني ولد عنيد.»
قلت: «هذا صحيح، وإذا اتفق أن دار أمامك حديث وبدا لك أن تقول كلمة كغيرك من الجالسين، زعموا أن هذا منك قلة أدب وسوء سلوك، أليس كذلك؟»
Page inconnue