﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (١) فما ظن من اتخذ غير الرسول إمامه، ونبذ سنته وراء ظهره، وجعل خواطر الرجال وآراءها بين عينيه وأمامه، فسيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع، وعند الوزن ماذا أحضر من الجواهر أو خُرْثِيِّ (٢) المتاع (٣).
ولما كان كتاب "السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام" للإمام الحافظ الحجة بقية السلف ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي ﵀ رحمة واسعة- قد جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، بحيث يَصْدُق أنه يُقال فيه أنه (لم يَنْسج على بديع منواله، ولا حرَّر على شكله ومثاله، أحدٌ من الأئمة الأعلام، قد جمع من السنة المطهرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار، وبلغ إلى غايةٍ في الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصر عنها الدفاتر الكبار، وشمل من دلائل المسائل جملة نافعة، تفنى دون الظفر ببعضها طوال الأعمار) (٤) فقد كدتُ أطير فرحًا لما وقفت عليه في دار الكتاب المصرية وتحققت منه، وطال تعجبي أن يظل كتاب في غاية الأهمية مثله حبيس الأدراج لم يطبع إلى الآن، وقلت في نفسي لعله طُبع ولما
_________
(١) سورة الإسراء، الآية: ٧١.
(٢) الخُرْثِيُّ: أردأ المتاع والغنائم، وهي سَقَط البيت من المتاع. لسان العرب (٢/ ١١٢٤).
(٣) من مقدمة الإمام ابن القيم لكتابه "تهذيب سنن أبي داود" (١/ ٢١ - ٢٥).
(٤) من كلام الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني ﵀ في مقدمة كتابه "نيل الأوطار" (١/ ٢) يمدح كتاب "منتقى الأخبار" لشيخ الإسلام مجد الدين ابن تيمية ﵀ وفي رأيي أن كتاب "الأحكام" للضياء أحق بهذه الأوصاف، فهو أوسع إحاطة من "المنتقى" وأدق ترتيبًا وتحريرًا، مع السلامة من الاعتراضات التي وجهت للمنتقى، وسيأتي بسط الكلام في المقارنة بين الكتابين في الباب الثاني -إن شاء الله تعالى.
مقدمة / 11