77

Sun Yat-sen

سن ياتسن أبو الصين

Genres

بيد أن الثورة لا تطرأ دفعة واحدة، فمنذ احتلت أسرة المانشو الصين جاشت النفوس بالسخط زمنا طويلا، ثم افتتحت البلاد للتجارة الدولية فاندفع الاستعمار الأجنبي إليها كالسيل الغاضب، وهبط بها الاستغلال المسلح والضغط الاقتصادي إلى مركز سياسي كمركز البلاد المستعمرة، وضاع من ثم استقلالها، ولم تكن حكومة المانشو عاجزة عن صد الغارة الأجنبية، بل كان من همها الإصرار على إذلال «العبيد» وكسب رضى الدول الأجنبية بهذه الخطة، فاتفق الرأي بين فئة من جماعتنا بقيادة سن ياتسن على أن الأمل في تجديد بناء الصين عبث ضائع ما لم تذهب حكومة المانشو، فنهضوا في الطليعة وحمدوا النضال حتى تحققت مهمة الخلاص من سلطان المغير.

إلا أن مقاصد الثورة لا تقف عند هذه النهاية، وإنما وجب إسقاط المانشو للبدء بالعمل المنشود، أو بعبارة أخرى أن إسقاط المانشو من الوجهة القومية خروج من ربقة قوم أجنبيين للدخول في وحدة وطنية مؤلفة من أقوام الصين على قاعدة المساواة، وهو من الوجهة السياسية خروج من نظام الدكتاتورية إلى نظام سيادة الأمة، ومن الوجهة الاقتصادية خروج من عهد الصناعة البدائية بالأيدي إلى عهد الصناعة الكبرى صناعة الآلات الحديثة، وعلينا إذا أردنا المضي في طريقنا أن نرتقي بالصين من درجة المستعمرة إلى درجة الأمة المستقلة التي تحتل مكانها اللائق بها بين أمم العالم.

على أن وقائع هذه الأيام قد جاءت على خلاف ما توقعنا، ولئن قيل إن الثورة نجحت لقد كان غاية ما حققته هو الخلاص من سلطان الأسرة الأجنبية، واضطرت بعد قليل إلى المساومة والتفاهم من قوى الحكومة المطلقة، ومن جراء هذا التفاهم حبطت الثورة حبوطها الأول؛ لأنه كان بمثابة التسليم غير المباشر للاستعمار.

كان ممثل السلطان المطلق لذلك العهد (يوان شي كاي) وكانت السلطة التي ملكها أول الأمر لا تخرج على المألوف، ولم يشأ الزملاء أن يقمعوه رغبة صادقة منهم في اجتناب التمادي في الحرب الأهلية، مع حاجتهم إلى حزب منظم يرسم غايته ويدرك رسالته، ولو كان حزب كهذا موجودا لأمكنه أن يقابل مكيدة يوان شي كاي بما يردها عليه.

ولم يتحسن موقف الثورة بعد وفاته ؛ إذ كان العسكريون قد أقاموا أنفسهم من الشعب مقام الجلادين من ضحاياهم، وتعذر الشروع في أي عمل سياسي على قاعدة السيادة القومية، ثم أحس العسكريون عجزهم عن التفرد بالحكم فربطوا علاقاتهم بالدول الأجنبية، وكانت الحكومة التي تسمى بالحكومة الجمهورية نفسها بين أصابع هؤلاء العسكريين، فسخروها في تمكين مراكزهم بتمليق المستعمرين، وراح المستعمرون من جانبهم يسخرونهم لمآربهم، ويمدونهم بالقروض التي تملي لهم في منازعاتهم وتتيح لهم الصيد في الماء العكر. وهذه الفوضى كان لها أثرها الطبيعي فأخرت النهضة الصناعية فلم تقو على منافسة الصناعة الأجنبية في أسواقنا الداخلية، وأفلس من جراء ذلك صغار التجار وانتشرت البطالة بين الصناع فتشردوا أو لحقوا بعصابات السطو والإجرام، وعجز الفلاحون عن حرث أرضهم فباعوا محصولهم بأبخس الأثمان لغلاء الحاجيات وثقل الضريبة.

أين المخرج إذن من هذه المآزق؟ إن الآراء تختلف ويعم اختلافها من يقيمون بيننا من الغرباء.

فهناك «أولا» المدرسة الدستورية، وعندها أن متاعب الصين كلها راجعة إلى غياب القانون، فإذا أمكن توحيد الأمة في ظل الدستور عولجت هذه الفوضى وتيسر دواؤها.

ولا يخفى أن نفاذ الدستور يتوقف على تأييد الأمة، وبغير هذا التأييد لا يجدي السواد والبياض على الورق شيئا في ضمان الحقوق وحمايتها من عدوان العسكريين.

لقد كان لدينا دستور موقوت منذ السنة الأولى للجمهورية، فلم يحل دون فساد الحكم على أيدي العسكريين والسياسيين، فالدستور ورقة مهملة ما دام هؤلاء موجودين، وقد تمكن «تساوكون» من شراء منصب الرئاسة في ظل دستور أو خيال دستور، ولكنه لم يعمل إلا ما يناقض الدستور.

فقبل الدستور ينبغي أن تكون الأمة قادرة على حمايته، ولا فائدة من وضع العربة أمام الحصان، ونزيد على ذلك أن الدستور لا ينفع الأمة وهي مفككة الأوصال، ولو لم يكن ثمة من يسيء استخدامه من العسكريين، فسوف يظل حروفا ميتة في هذه الحال.

Page inconnue