فقال سمير بحياء: لم أفكر إلا في صحتك. - نعم، ولكني أقرأ أحيانا في أعين كثيرين ...
فقال سمير مقطبا: أنت وحدك المسئول عن ذلك بكسلك، وإني أتساءل في دهشة: أين عيسى زمان الذي كان يغادر الوزارة بعد منتصف الليل من كل يوم تقريبا، فضلا عن نشاطه المأثور في الحزب والنادي؟!
وأعلن المعلن يوما عن غزو الفضاء، وافتتاح عصر جديد، استيقظ من سباته، ودب الاهتمام في روحه الخامدة، وعاد يقرأ الجريدة بشغف ويستمع إلى الراديو بيقظة. ووجد في ركن البوديجا حديثا غير حديث الحسرات السياسية ومضغ الشائعات: وعلق عباس صديق على ذلك قائلا: ما أجمل أن تطالعنا الصحف كل صباح بإثارة كهذه!
وقال إبراهيم خيرت بحقد: هذا بشير بأفول نجم الساسة، فلينزلوا عن مكانتهم للعلماء وليذهبوا في داهية.
وقال سمير عبد الباقي: آن لنا أن ننظر برجاء من جديد إلى السماء.
ورفع عيسى رأسه إلى سقف الحجرة كأنه يتطلع إلى السماء، وتخيل الكواكب والنجوم برغبة طفل في الهرب الخيالي الساحر، ثم تمتم: ما أجمل أن نهجر الأرض إلى الأبد.
ثم شاكيا: الأرض أمست مملة لدرجة المرض!
وتساءل: ألا يمكن أن يؤكد انتسابه إلى الإنسان ويتناسى انتسابه الجبري إلى هذا الوطن؟!
26
وجمعهم الصيف على غير عادة في رأس البر، حتى عباس صديق مدمن الإسكندرية. وأعد إبراهيم خيرت في عشته غرفة للقمار والشراب، كانوا يرجعون إليها بعد الرياضة المألوفة على شاطئ النيل. ثم انضم إليهم الشيخ عبد التواب السلهوبي الذي تصادف وجوده بالمصيف. وانزلقت رجل عيسى إلى البوكر بسهولة جدا، وبسبب القمار وما يدفع إليه من سهر حتى الفجر نشب أول خلاف جدي بينه وبين قدرية، ووجدها عند الخلاف عنيدة كالبغل، ولكنه لم يبالها وأصر على سلوكه باستهتار، وعندما اتخذ مجلسه على المائدة سأله إبراهيم خيرت وهو يملأ له كأسه من الكونياك: كيف حال الشئون الداخلية؟
Page inconnue