وإذا بسمير عبد الباقي يقول: الحالة مضطربة جدا!
فأدرك الجميع أنه يتكلم في السياسة، وقال عيسى: هذا أمر محقق.
فقال سمير بتوكيد: لكنها مضطربة أكثر من الظاهر المعروف.
فقال حسن ساخرا: ربنا يكرمك! - يقال إن الملك سيستأجر جنودا مرتزقة لأنه لم يعد يثق بأحد!
فقال عباس صديق ضاحكا: ليس أدل على سوء الحال من قول أحد الأحرار الدستوريين إنه يفضل عودة الوفد على تفسخ الوضع الراهن!
وقال حسن بإصرار: أسأل الله المزيد من الاضطراب والتفسخ!
دعي عيسى إلى الداخل لإعلان الخطبة، فتعلقت به الأبصار وساد الصمت، وصمت حسن أثقل الصمت، وانطلقت زغرودة سمعها كل من في القصر، وطافت سلوى بين أمها وخطيبها بجميع الحاضرين قبل أن تتخذ مجلسها المجلل بالورود في البهو الأحمر. جميلة حقا. عيون أبيها ركبت في وجه بدري شفاف البياض. واقتبست من أمها طولها الفارع البهي، وعنقها الطويل النحيل، ولكن انبعثت من عينيها نظرة رطيبة طيبة توحي بالوداعة والخلو التام تقريبا من الذكاء والحرارة، وجعلت تلتفت نحو أمها بصفة مستمرة كأنما تستلهمها الإرشاد والمعونة أو أنها تعاني في أعماقها بوادر أزمة الانفصال عنها في خوف وعدم ارتياح، أما فستانها فقد تحدث المدعوون عنه طويلا.
وتواصل الحفل ففني جميع ما اكتظ به البوفيه من الشطائر والحلوى والأشربة، وأخذ المدعوون في الانصراف محملين بعلب الحلوى، ثم خلت حجرة الجلوس المطلة على شارع البارون بفراندا ضخمة للخطيبين وسوسن هانم، وانتشر الليل في جو ربيعي صاف، وامتدت عمالقة الأشجار المحدقة بالبستان مترنحة سابحة في أمواج الضوء الساطع المتدفق من المصابيح الكهربائية، وهبت نسائم مرطبة ببرودة حنونة منعشة.
وقال عيسى: إني أعتبر اليوم غاية سعادتي.
فهمست باسمة في حياء: أشكرك .. وأرجو أن أعرب لك عن مشاعري عندما أجد الشجاعة الكافية.
Page inconnue