لَهَا بَابَانِ أَحدهمَا للدراية وَالْآخر للرواية فغرضي أَن أذكر أهل الْبَابَيْنِ الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة لَا من حقق الْعلم وأكمل شُرُوطه وتميز أهل زَمَانه وأوانه بل كَمَا فعل ذَلِك من سبقني من المصنفين لذَلِك المطيلين مِنْهُم والمقصرين وَلَو أَرَادَ أحد حصر تصنيفه بِذكر من أكمل الْعلم معرفَة لعجز
فَإِن ذَلِك أَمر لَا يَنْتَهِي وَالله يَقُول ﴿وَفَوق كل ذِي علم عليم﴾
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ فَوق كل عَالم أعلم مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله مفيض مَا يَشَاء من علمه على من اخْتصَّ من خلقه وَمن ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه قَالَ الْعلم أَكثر من أَن يحفظ فَخُذُوا عَن كل عَالم محاسنه
وَمَا رُوِيَ عَن جَعْفَر بن الْأَشَج أَنه قَالَ الْعلم كَالْمَالِ مَتى كَانَ بيد الْإِنْسَان مِنْهُ شَيْء سمي مُوسِرًا وَكَذَا من حوى شَيْئا من الْعلم سمي عَالما وَكَذَلِكَ يحوي الْإِنْسَان مَالا كثيرا فَلَا يُزَاد على اسْم الْيَسَار كَمَا أَن الْعَالم وَإِن كثر علمه لَا يُزَاد على الْعَالم لَكِن يتميزان بالأفضلية فَيُقَال أغْنى من فلَان كَمَا يُقَال أعلم مِنْهُ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ الْقَائِل بقوله ... من النَّاس من يدعى الإِمَام حَقِيقَة ... ويدعى كثير بِالْإِمَامِ مجَازًا
وَلَكِن مَتى يخفى الصَّباح إِذا بدا ... وَحل عَن اللَّيْل البهيم طرازا ... ثمَّ قد يَقُول جَاهِل أَو متجاهل مَا الْفَائِدَة الْحَاصِلَة فِي ذكر من أوردته وقص قصَص من توخيته فأجبت الأول بِالسَّلَامِ وَالْآخر أَن فِي ذَلِك فائدتين إِحْدَاهمَا مَا ذكرت أَولا من ذكر الْقُرْآن للأنبياء وأممهم والقرون الْمَاضِيَة وَمن تَبِعَهُمْ وَالْأُخْرَى أَن الْمُتَأَخر مَتى وقف على خبر من تقدمه من الْفُضَلَاء أَو سمع كَيفَ تشميرهم وإقبالهم على الْعلم وَطَلَبه تاقت نَفسه إِلَى الِاقْتِدَاء بهم والانسلاك فِي سلكهم وَالتَّحْقِيق
1 / 65