بوغت كمال بالسؤال فتهرب قائلا: حديث قديم! - وجديد في الوقت نفسه، ولن نتركه حتى يجمع الله شملك على بنت الحلال.
تابعت أمينة الحديث الأخير باهتمام مضاعف، فزواج كمال أعز أمانيها، وكم رجته أن يحقق أمنيتها حتى تقر عينها بحفيد من صلب ابنها الوحيد، قالت: عرض عليه أبوه عرائس من أحسن الأسر، ولكنه يتعلل دائما بعذر أو بآخر .. - أعذار واهية، كم عمرك الآن يا سي كمال؟ .. تساءل إبراهيم شوكت ضاحكا: ثمانية وعشرون عاما! فات الوقت ..
أنصتت أمينة إلى رقم العمر بدهش كأنما لا تريد أن تصدق. أما خديجة فاحتدت وهي تقول: أنت مغرم بتكبير عمرك!
أجل فهو الأخ الأصغر، فالكشف عن عمره كشف غير مباشر عن عمرها، مع أن زوجها بلغ الستين إلا أنها كانت تكره أن تذكر بأنها في الثامنة والثلاثين، أما كمال فلم يكن يدري ماذا يقول، ولم يكن الموضوع في نظره مما يحسم بكلمة، ولكنه كان يشعر دائما بأنه مطالب بإيضاح موقفه فقال بلهجة المعتذر : إني مشغول نهاري بالمدرسة وليلي بمكتبي.
فقال أحمد بحماس: حياة عظيمة يا خالي، ولكن الإنسان ينبغي مع ذلك أن يتزوج.
وقال ياسين الذي كان أعرف الجميع بكمال: أنت تتجنب الشواغل حتى لا تشغلك عن طلب «الحقيقة» ولكن الحقيقة في هذه الشواغل؛ لن تعرف الحياة في المكتبة، ولكن الحقيقة في البيت والشارع ..
فقال كمال ممعنا في الهرب: تعودت أن أنفق مرتبي لآخر مليم، ليس عندي مدخر، كيف أتزوج؟!
فقالت خديجة تحاصره: انو الزواج مرة وستعرف كيف تستعد له.
وقال ياسين ضاحكا: إنك تنفق مرتبك لأخر مليم حتى لا تتزوج ..
كأنهما شيء واحد. ولكن لم لم يتزوج رغم استجابة الظروف ورغبة الوالدين؟ أجل مضت فترة في ظل الحب فكان الزواج ضربا من العبث. وتبعتها فترة حل محل الحب فيها بديل هو الفكر فاستغرق الحياة بنهم، وكانت فرحة الأفراح أن يعثر على كتاب جميل أو يظفر بنشر مقالة. وقال لنفسه إن المفكر لا يتزوج، وما ينبغي له. كان ينظر إلى فوق ويظن أن الزواج سيحمله على النظر إلى تحت. وكان - وما زال - يلذ له موقف المشاهد المتأمل بقدر ما ينفر من الاندماج في ميكانيكية الحياة. وإنه ليضن بحريته كما يضن البخيل بماله. ثم إنه لم يبق عنده من المرأة إلا شهوة تقضى: وإلى هذا كله فالشباب لم يضع هباء ما دام لا ينقضي أسبوع دون مسرات فكرية ولذات جسدية، ثم إنه حائر يداخله الشك في كل شيء، والزواج نوع من الإيمان، قال: أريحوا أنفسكم، سأتزوج عندما أرغب في الزواج.
Page inconnue