تنهد رياض في غيظ وقال: نحن نلهو بالحديث أمام النارجيلة، أما السياسي فأمامه مسئولية خطيرة، في هذه الظروف الحربية الدقيقة كيف يقبل النحاس أن يعزل الملك ويحكم البلاد عسكري إنجليزي؟ وإذا انتصر الحلفاء - ويجب أن نفترض هذا أيضا - فنكون في صفوف الأعداء المنهزمين، السياسة ليست مثالية شعرية ولكنها واقعية حكيمة .. - ما زلت أومن بالنحاس، ولكن لعله أخطأ، لا أقول تآمر أو خان .. - المسئولية تقع على العابثين الذين مالئوا الفاشست من وراء ظهور الإنجليز كأن الفاشست سيحترمون استقلالنا، أليس بيننا وبين الإنجليز معاهدة، وأليس الشرف يقضي علينا باحترام كلمتنا؟ ثم ألسنا ديمقراطيين يهمنا أن تنتصر الديمقراطية على النازية التي تضعنا في جدول الأمم والأجناس في أحط طبقة وتثير شحناء الجنسية والعنصرية والطائفية؟! .. - معك في هذا كله، ولكن الخضوع للإنذار البريطاني جعل من استقلالنا وهما! - احتج الرجل على الإنذار ونزل الإنجليز عند رأيه ..
فضحك إسماعيل عاليا ثم قال: يا عيني على الاحتجاج الأنجلوإجبشيان!
غير أنه سرعان ما قال جادا: إني أقره على ما فعل، ولو كنت مكانه لفعلته، رجل أبعد رغم أغلبيته وأهين فعرف كيف ينتقم لنفسه، والواقع أنه ليس هنالك استقلال ولا كلام فارغ؛ ففي سبيل أي شيء يعزل الملك ويحكمنا حاكم عسكري إنجليزي ؟!
وازداد وجه رياض تجهما، أما كمال فابتسم قائلا في هدوء بدا غريبا: أخطأ الآخرون وتحمل النحاس نتيجة الخطأ، لا شك أنه أنقذ الموقف، أنقذ العرش والبلاد، ثم إن العبرة بالخاتمة. فإذا ذكر له الإنجليز صنيعه بعد الحرب فلن يذكر أحد 4 فبراير ..
إسماعيل هازئا وهو يصفق طالبا جمرات للنارجيلة: إذا ذكر الإنجليز صنيعه! وأنا أقول لك من الآن بأنهم سيقيلونه قبل ذلك!
فقال رياض بإيمان: الرجل تقدم لحمل أكبر مسئولية في أحرج الظروف ..
فقال كمال باسما: كما ستتقدم لحمل أكبر مسئولية في حياتك!
فضحك رياض، ثم نهض قائلا «عن إذنكم» ومضى في اتجاه دورة المياه. وعند ذاك مال إسماعيل نحو كمال وقال وهو يبتسم: في الأسبوع الماضي زار والدتي «جماعة» لا شك أنك تذكرهم!
فنظر كمال إليه مستطلعا وهو يتساءل: من؟ ..
فقال الآخر وهو يبتسم ابتسامة ذات معنى: عايدة!
Page inconnue