La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
78
ونظرا لأن طقوس البكتاشية لطالما ضمت ممارسات مشبوهة مثل شرب الخمر، فإن قرار الإلغاء يمكن أن يعتبر - إلى حد ما - جزءا من التوجه الطويل الأمد، الذي يهدف إلى ترويج أشكال الصوفية الأكثر التزاما بالشريعة، ويؤكد وجهة النظر تلك تزامن سقوط البكتاشية مع الظهور السريع للفرع الملتزم بالشريعة الجديد من الطريقة النقشبندية المجددية، التي أسسها الصوفي الكردي الرحالة الشيخ خالد النقشبندي (المتوفى عام 1827) في أوساط النخبة العثمانية.
79
وكانت العوامل السياسية المتعلقة بتغير المكانة هذا، ما بين البكتاشية والنقشبندية المجددية، متعلقة بحملات الغزو الاستعماري التي رأينا أنها أدت إلى زيادة مكانة الطرق الصوفية الملتزمة بالشريعة في شمال الهند والجزائر والقوقاز في العقد نفسه؛ ذلك أن ما أدى مباشرة إلى قمع البكتاشية كان اندلاع الثورة اليونانية عام 1821، ومجموعة الهزائم التالية التي لحقت بالجيوش العثمانية، التي انتهت باستقلال اليونان بعد ذلك بعقد. ونظرا لأن أجزاء من اليونان كانت تحت السيطرة العثمانية لما يزيد عن أربعة قرون، فقد أثارت الخسارة المفاجئة للأجزاء الغربية من الإمبراطورية العثمانية غضبا عارما، ليس فقط على الجيوش، بل على التردي الأخلاقي الذي اعتقد الكثيرون أنه أضعف الإمبراطورية من الداخل. وبسبب طقوس البكتاشيين المريبة، وثرائهم المؤسسي، وعلاقاتهم بصفوة جنود الإمبراطورية العثمانية، فقد كانوا أهدافا واضحة للسخط الشعبي، ولسخط البلاط الإمبراطوري أيضا، وبالإضافة إلى ذلك، منح القضاء على البكتاشية الفرصة للدولة للاستيلاء على الأملاك الوقفية العديدة التي جمعتها الطريقة على مدار قرون.
80
وفي محاكاة عثمانية لردود الأفعال تجاه التوسع الأوروبي في المناطق الإسلامية الأخرى، شهدت العقود التالية ظهور صوفيين أدانوا علنا التدني الأخلاقي للبكتاشية، كان أبرزهم أعضاء طريقة النقشبندية المجددية التي أسسها الشيخ خالد النقشبندي. وحتى سبعينيات القرن التاسع عشر، ظل ورثة الشيخ خالد النقشبندي يتقلدون منصب «شيخ الإسلام» الذي يعد أعلى منصب ديني في البيروقراطية الإمبراطورية، بالإضافة إلى تقلد مناصب الوعاظ في أكبر مساجد إسطنبول.
81
في خمسينيات القرن التاسع عشر ساعدت أزمة عثمانية أخرى - حرب القرم في هذه المرة - في ظهور جماعة إصلاحية أخرى لم تجد حتى أن الصوفيين الملتزمين بالشريعة يقدمون حلا كافيا لها في مواجهة الانتصارات الأوروبية التي أتاحها العلم.
82
إلا أن الازدهار الوجيز لمصلحي تلك «التنظيمات»، الذي حدث ما بين عام 1839 وعام 1876، لا يدل على الإطلاق على انتهاء النفوذ الصوفي في الأراضي العثمانية؛ إذ إن الهزيمة التي ألحقها الروس بالعثمانيين في الفترة ما بين عامي 1877 و1878 سحبت البساط من تحت أقدام مصلحي التنظيمات أيضا، مما أدى إلى الحكم الرجعي للسلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909). وبعد الإصلاحات الدستورية في العقود السابقة، دفعت حاجة السلطان عبد الحميد الثاني إلى الشرعية، أثناء محاولة احتكار السلطة في يديه بصفته السلطان، إلى طلب المساعدة من الصوفيين، وكان أبو الهدى الصيادي (1850-1910) شيخ الطريقة الرفاعية رئيس مراسم سياسة إضفاء الشرعية هذه، من خلال رعاية المؤسسات الإسلامية الصوفية القديمة. وقد أشرف الصيادي على عملية حشد بالغة الكفاءة للصوفيين من خلال «سياسة الدمج»، وفيها تمكن السلطان عبد الحميد الثاني من الاعتماد على التطورات الدينية المركزية التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية في السابق، والتي تناولناها في الفصل الثالث.
Page inconnue