191

التصوف - المنشأ والمصادر

التصوف - المنشأ والمصادر

Maison d'édition

إدارة ترجمان السنة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Lieu d'édition

لاهور - باكستان

Genres

أرضه، وجعله إمام خلقه ووصاحب لواء الأولياء، وأمان أهل الأرض، ومنظر أهل السماء، وريحانة الجنان، وخاصة الله، وموضع نظره، ومعدن سره، وسوطه في أرضه، يؤدب به خلقه، ويحيي القلوب الميتة برؤيته، ويرد الخلق إلى طريقه، وينعش به حقوقه، مفتاح الهدى، وسراج الأرض، وأمين صحيفة الأولياء، وقائدهم، والقائم بالثناء على ربه، بين يدي رسول الله ﷺ!، يباهي به الرسول في ذلك الموقف، وينوه الله باسمه في ذلك المقام، ويقر عين رسول الله ﷺ!، قد أخذ الله بقلبه أيام الدنيا، ونحله حكمته العليا، وأهدى إليه توحيده، ونزه طريقه عن رؤية النفس، وظل الهوى، وأئتمنه على صحيفة الأولياء، وعرّفه مقاماتهم، وأطلعه على منازلهم. فهو سيد النجباء، وصالح الحكماء، وشفاء الأدواء، وإمام الأطباء. كلامه قيد القلوب، ورؤيته شفاء النفوس، وإقباله قهر الأهواء، وقربه طهر الأدناس، فهو ربيع يزهر نوره أبدًا، وخريف يجنى ثماره دأبا، وكهف يلجأ إليه، ومعدن يؤمل ما لديه، وفصل بين الحق والباطل. وهو الصديق والفاروق والولي والعارف والمحدّث. هو واحد الله في أرضه) (١). وأما ما قاله المتأخرون فهو أظهر وأصرح، فيقول داود القيصري: (فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دوائر متباينة متفاوتة في الحيطة، وقد علمت أن الظاهر لا يأخذ التأييد والقوة والتصرف والعلوم، وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه إلا بالباطن: وهو مقام الولاية، المأخوذ من الولي، وهو القرب، والوليّ بمعنى الحبيب أيضا منه. فباطن النبوة الولاية، وهي تنقسم بالعامة والخاصة. فلأولى تشتمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا، على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى: ﴿الله وليّ الذين آمنوا﴾. والثانية تشتمل على الواصلين من السالكين فقط، عند فنائهم فيه وبقائهم به في الولاية الخاصة، عبارة عن فناء العبد في الحق. فالوليّ هو الفاني فيه الباقي به. . وهذا الفناء موجب لأن يتعين العبد بتعيّنات حقانية وصفات ربانية مرة أخرى، وهو البقاء بالحق، فلا يرتفع التعين منه مطلقا، وهذا المقام دايرة أتمّ وأكبر من دايرة النبوة، لذلك انختمت النبوة، والولاية دائمة، وجعل الوليّ، اسما من أسماء الله

(١) نوادر الأصول للترمذي ص ١٥٧، ١٥٨ ط الآستانا.

1 / 194