131

التصوف - المنشأ والمصادر

التصوف - المنشأ والمصادر

Maison d'édition

إدارة ترجمان السنة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Lieu d'édition

لاهور - باكستان

Genres

، والترقي إلى العالم العقلي، ثم العالم الإلهي، مع العقول فوق العوالم كلها، حتى صارت في موضع البهاء والنور والسناء مجتلية الذي هو علة كل نور وبهاء، وسبب كل دواء وبقاء. ومن العجب. أني كنت رأيت نفسي ممتلئة نورًا، وهي في البدن كهيئتها، والبدن معها، وهي خارجة عنه، على أني لما أطلت الفكرة، ومحضت الروية، وأجلت الرأي، وصرت كالمتحير المبهوت، تذكرت الفلنطوس، فإنه أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة، والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الشريف الأعلى. وقال: إنه من حرص على ذلك، وارتقى إلى العالم الأعلى، ولحق بالجواهر الإلهية، والأسباب الكلية، يجزي أحسن الجزاء اضطرارا. فلا ينبغي لأحد أن يفتر عن الطلب والحرص، والجد في الارتقاء إلى ذلك العالم، وإن تعب وكد ونصب، فإن أمامه الراحة التي لا تعب بعدها، في حياة دائمة، وعيشة راضية، ولذات باقية لا يتناهى أمدها، ولا يقطع مددها، مخلوقة للإنسان كلها، والإنسان مخلوق لها، أليس عجزا أن تمر ساعة من عمره في غير ما خلق له من ذلك؟ أليس من فرط في السعي لذلك ظالما لنفسه، ومهلكا ذاته، وفاعلا بجوهرته النفيسة ما لم يفعل به أعدى عدو له، فيندم حين لا ينفعه الندم) (١). ثم علق عليه بقوله: (وبيان هذه السعادة: من تعرض له، فقد تعاطى ما لا يستقل به نفس، ولا تطمع فيه قوة ... وسبيل السعادة عندهم الرياضة، وعلاج الأخلاق، حتى يصير شيبها بالخير المحض وهو المبدأ، وتلطيف السر، وأن يصرف عن النفس شواغل الجسم، ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة، حتى تحس النفس بانجذابها إلى عالمها، وتفيض عليها عجائبه. وقد أخبر هؤلاء الإلهيون عن أنفسهم عن أنفسهم بما ذكرناه آنفا، من أنهم نزعوا جلابيب الجسمانية في هذا العالم، وترقوا إلى العالم العلوي، فأبصروا من نوره ولذاته أمورًا مذهلة، ثم عادوا إلى عالم الحس، ورمزوا ذلك في كتبهم، حسبما نقل سقراط الدنان، ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو) (٢). وهذه العبارات منثورة مبعثرة في كتب القوم كثيرا، ناطقة عن كنههم وحقيقة

(١) روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ٥٥٩، ٥٦٠، ٥٦١. (٢) أيضا ص ٥٦٠.

1 / 133