أود أن يخرج هذا الكتاب بكامل أجزائه والتي أتصور أن تبلغ ثمانية كبار بما في ذلك المفقود.
وقد تكلم أبو داود ﵀ في الرواة بلسان الناقد البصير، ولم أر في كلامه ما يدعو إلى الاستغراب، فلم يكن لينفرد بما لا يتابع عليه في أحكامه إضافة إلى ما يدعم به رأيه من أدلة إذا اقتضت الضرورة.
وأبو داود ﵀ خاض غمار هذا الفن بعلمه واجتهاده، فلم يكن متبعًا، بل كان له رأيه المستقل، وقد قرأت كتاب السؤالات بأجزائه الثلاثة الموجودة، وتتبعت ما قاله باجتهاده وما نقله عن شيوخه، وأذكر هنا أن نسبة أقواله في هذا الجزء المحقق تزيد على ٩٠% من مجموع الآراء التي قيلت فيما احتواه من رجال. وقد يخالف رأي شيخه فها هو يوثق العوام بن حمزة، ورد على شيخه ابن معين، إذ ضعّفه بقوله: "مَا نعرف لَهُ حَدِيثًا منكرًا"١. وقال في نوح بن قيس: "ثقة"، بلغني أن يحيى ضعّفه. وقد أنكر على عفان بن مسلم إذ يروي عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِبْرَاهِيم صاحب العلاء، وقال: هو عندي منكر الحديث٢. ومثل هذا كثير. وهذه النماذج لا تدع مجالًا للشك في أن أبا داود من أهل الخبرة والاستقراء، والتثبت في النقد شديد الاحتياط في قبول الروايات.
نقل العقيلي في ترجمة يعقوب بن كاسب عن زكريا بن يحيى الحلواني٣ قال: "رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب في وقايات٤ على ظهور كتبه، فسألته عنه فقال: رأينا في سنده أحاديث أنكرناها فطالبناه بالأصول فدافعنا، ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها"٥.
_________
١ انظر: نص رقم ٣٥٥.
٢ انظر: نص رقم ٣٨٤.
٣ بضم الحاء المهملة واللام.
٤ أغفلة توضع على ظهور الكتب.
٥ ضعفاء العقيلي ٣/ ٤٥١.
1 / 28