ولكن ما لبث لينين أن ظهر على المسرح، ومنذ ذلك الوقت تبعه ستالين، وانصهر ستالين في جهاز الحزب، وأدى للحزب أجل الخدمات الإدارية، ولكنه على حد تعبير تروتسكي لم يكن له وجود سياسي، فقد قنع ستالين بأن يكون المنفذ المخلص لخطط لينين ...
وقد كان من نتيجة هذه الخطط سقوط حكومة كيرنسكي وسيطرة البولشفية. •••
إن معظم المؤلفات التي تناولت بالتفصيل ثورة أكتوبر لا تذكر اسم «ستالين» إلا في القليل النادر، والواقع أن ستالين منذ أوائل عام 1918 أبدى شيئا كثيرا من التشكك فيما يتعلق بالثورة العالمية، وذلك في الوقت الذي كان تروتسكي فيه يبشر «بالثورة الدائمة»، وهو يؤمن بأنه إذا لم تؤد الثورة في روسيا إلى قيام حركة ثورية في أوروبا كلها فإن الدول الأوروبية ستقوم من جانبها بقمع الثورة الروسية، ولم يكن ستالين يكره أن تمتد الثورة إلى كافة أنحاء القارة الأوروبية كبداية، ولكنه كان يوصي بتحديد تاريخ قيام هذه الثورة بالشهور لا بالأسابيع.
وعين بعد ذلك عضوا بالمكتب السياسي مع لينين وتروتسكي وسفردلوف، وبدأ ستالين يباشر مهام قوميسير الشعب، وكان من المؤيدين لحقوق الشعوب الوطنية كما كان يؤيد برنامج لينين في جميع المسائل الأخرى، ولكنه ما يلبث أن يكتشف أن التطبيق العملي لا يتفق مع النظريات، وبعد أن كان ستالين يؤيد نظريا حق الشعوب في الاستقلال انقلب مؤيدا عمليا لحق الدولة السوفييتية في فرض إرادتها على الشعوب المتمردة. فقد رأى لينين وستالين بعد ذلك أن حقوق الاشتراكية أسمى بكثير من حقوق الأمم في تقرير مصيرها، وإذا كانت «الانفصالية» مبدأ اعتنقه الاثنان فلا شك أن الاتحاد عمل واقعي يحسن إتمامه.
وكان ستالين هو الذي اقترح على اللجنة المركزية للحزب البلشفيكي تأليف لجنة خاصة أطلق عليها اسم ال «تشيكا»، ومهمتها أن تقمع بالقوة وإثارة الرعب كل ثورة مضادة للثورة البلشفية.
وفي عام 1923 نشرت جريدة «برافدا» إحصاء عما قام به أعضاء ال «تشيكا» الذين بلغوا مائة ألف عضو، انتخبوا من أعظم المتحمسين للنظام الجديد، وتغلغلوا في جميع مقاطعات روسيا.
وقد قام ال «تشيكا» في جميع أرجاء الاتحاد السوفييتي بإعدام: 28 أسقفا، و3715 كاهنا، و9575 مدرسا، و8800 طبيبا، و105000 ضابطا من ضباط البوليس، و48000 رجلا من رجال البوليس، و25850 موظفا بالحكومة، و260000 ضابطا.
ومما هو جدير بالذكر أن هذا الإرهاب كان يلقى تأييدا من الجماهير، أو كما لاحظ بعض الكتاب أن حكم الإرهاب الذي اضطلع به البوليس السري الروسي كان استمرارا لحكم الفرد المطلق الذي شكا منه الروس في عهد القياصرة ... وهو حكم يقوم على امتهان النفس البشرية والإقلال من شأنها أو قيمتها.
وقال ستالين في تبرير ذلك: «إن إحدى الوظائف الرئيسية لكل سلطة سياسية هي القمع.»
وهكذا قامت ال «تشيكا» في عهد البلشفية بما قامت به ال «أوخرانا» في عهد القيصرية. •••
Page inconnue