ولست أدري ما هي الحكمة في تمهيد اسپينوزا ذهن القارئ لنتائج غير متوقعة، ولماذا لم يجعل هذه النتائج متوقعة؟ أكان ذلك مجرد حرص منه على استفزاز الآخرين وإثارة مشاعرهم بوضع مقدمات مخالفة لمبادئهم الأساسية، من أجل الانتهاء إلى نتائج يسلمون جميعا بها؟ أليس جديرا بشارع اسپينوزا أن يجرب - على الأقل - تفسير هذه النتائج في ضوء مقدماتها، بدلا من أن يفترض، على أساس شكلها اللفظي، أنها مناقضة لهذه المقدمات؟ (4)
ويرى «داربون»
Darbon
أن فكرة الحب الإلهي للبشر، كما تعرض في الصفحات الأخيرة من كتاب «الأخلاق»، تتعارض مع بقية محتويات الكتاب المتعلقة بطبيعة الله. وهو يستبعد على التو أن يكون اسپينوزا قد تعمد حشر هذه الفكرة الخارجة عن سياق فلسفته العامة لكي ييسر نشر الكتاب أو ليسكت ألسنة النقاد، وإنما يرى أن اسپينوزا قد بدأ كتابه بالحديث عن إله لا يريد ولا ينفعل ولا يشعر بعاطفة؛ إله فلسفي لا يرضي شعور الإنسان الديني على الإطلاق، ولكنه تدارك نفسه في الصفحات الأخيرة من الكتاب، «ويبدو في هذه اللحظة الأخيرة أن اسپينوزا يأسف لأنه لم يستطع، في هذه النقطة الأساسية، أن يرضي الشعور الديني، وشعوره الديني الخاص بالتأكيد. وهكذا يحاول في النهاية أن يحول الله إلى الحب ولكن المحاولة تأتي متأخرة، ويتعارض معها ... كيان المذهب كله.»
69 (5)
ويؤكد «ريڨو
Rivaud » غموض نصوص اسپينوزا في الجزء الأخير من كتاب «الأخلاق»، ويتحدث، في هذا الصدد، عن وجود تيارين مختلفين لدى اسپينوزا: تيار متحرر تأثر فيه إلى حد ما بالفكر اليهودي في العصور الوسطى، وبالفكر الإسلامي من خلاله، وهو تيار يؤدي به إلى واقعية دقيقة، وتيار آخر صوفي مضاد، يؤدي به إلى فكرة الحب الإلهي.
70 (6)
وتنتقد «روت سو
Ruth L. Saw » اسپينوزا لأنه يتحدث في أول كتاب الأخلاق عن الله بوصفه مساويا للجوهر، ويتحدث في آخره عن الله بلغة أخرى تختلف عن لغة «الله = الجوهر» هذه. وهي ترى أن خلطه هذا بين مستويين مختلفين للغة يوقعه فيما لا يكف عن تحذيرنا منه،
Page inconnue