ولهذا السبب يحرص «باركر» على تجنب لفظ
Deus
اللاتيني أو لفظ «الله
God » قدر المستطاع، ويستبدل به لفظ «الطبيعة
Natura » في صيغته اللاتينية وبحرف كبير في البداية؛ لكي يعبر عن المعاني الحقيقية التي لم تكن في ذهن اسپينوزا عندما استخدم لفظ
Deus .»
مثل هذا الفهم لمعنى لفظ «الله» عند اسپينوزا دقيق إلى حد بعيد، ومع ذلك فنحن نأخذ على المؤلف - رغم اقترابه من الصواب - أمورا منها:
أنه لم يدرك الدلالة الحقيقية لاستخدام اسپينوزا هذا اللفظ، وهي أنه «تعمد» هذا الاستخدام؛ فالأمر لم يكن أمرا «يؤسف له»، ولم يكن هناك «سوء استخدام»، وكأن المسألة هي لفظ أسيء اختيار موضعه، وإنما كانت - كما قلنا من قبل - تنفيذا لخطة متعمدة دفعته إليها ظروف العصر الذي كان يعيش فيه. وهكذا لم يحاول المؤلف أن يجيب على السؤال الهام الآتي: لماذا استخدم اسپينوزا التعبيرات الدينية الصريحة، طالما أن هذا رأيه الحقيقي عن الله؟
كذلك لا يجزم المؤلف إن كان اسپينوزا قد تأثر بالارتباطات المألوفة لكلمة «الله» أم لا - مع أن من الممكن القطع في هذه المسألة برأي حاسم، ينتهي إليه المرء حتما إذا تأمل السياق العام لفلسفته، الذي خلا تماما من جميع العناصر الغائية والتشبيهية والمتعالية. أما كون القارئ العادي معرضا للوقوع في خطأ فهم اللفظ بارتباطاته الدينية المألوفة، فذلك أمر مقصود ولا شك؛ إذ إن اسپينوزا كان بالفعل يخشى ثورة هذا «القارئ العادي» لو أطلعه على أفكاره مباشرة وكان يتعمد تجنب استفزازه، في الوقت الذي أعطى فيه القارئ اليقظ مفاتيح لأفكاره الحقيقية. ومع ذلك فإن معظم مفسري اسپينوزا كانوا، للأسف الشديد، من فئة «القراء العاديين» هذه؛ والدليل على ذلك ما نلمسه جميعا من انتشار هائل للتفسيرات الصوفية واللاهوتية لآرائه. (ب)
ويتخيل «ولفسون» في الجزء الأول من كتابه «فلسفة اسپينوزا» حديثا خياليا يخاطب فيه اسپينوزا خصومه الخياليين من فلاسفة العصور الوسطى فيقول إنه سيستخدم كلمة «الجوهر» - الشائعة في العصور الوسطى - في معان تجمع كل الصفات التي كان هؤلاء الخصوم يعزونها إلى كلمة «الله»، ويقول لهم: «ولما كنت غير معتاد على التنازع على الأسماء وحدها، فسوف أستبقي لفظكم الخاص، وهو لفظ «الجوهر»، بوصفه بديلا فلسفيا عن لفظ «الله» المليء بالتقوى، وسوف أكشف بتعبيراتكم ذاتها، عن فهم جديد لطبيعة الله وعلاقته بالعالم.» وبعد أن يتم تحديد هذا الفهم الجديد من خلال لفظ «الجوهر»، يواصل اسپينوزا كلامه المتخيل قائلا: «هكذا، وصفت الجوهر، كما أقول به، بجميع الأوصاف التي تستخدمونها في تعريفكم الشكلي لله، والآن ... سوف أجمع بين لفظي الله والجوهر وأقول: الله، أو الجوهر المؤلف من صفات لا متناهية تعبر كل منها عن ماهية أزلية لا متناهية، موجود بالضرورة (القضية 11)، وبعد أن أوضحت الآن ما أعنيه بلفظ الله، فإن لم أعد أخشى أن يساء فهمي؛ ولذلك فسوف أسقط لفظ الجوهر من الآن فصاعدا، واستخدم بدلا منه لفظ الله.»
Page inconnue