animositas
الرغبة التي يسعى بها كل إنسان إلى حفظ وجوده وفقا لما يمليه العقل فحسب.»
31
هذا التعريف قد يكون مخالفا تماما للتعريفات الشائعة التي لا تذكر شيئا عن حفظ الوجود، ولا عما يمليه العقل. غير أن تضمن تعريف اسپينوزا لهذين العنصرين يدلنا على طريقته الخاصة في فهم الشجاعة؛ فهو يعد نفسه شجاعا حين يسعى إلى حفظ وجوده، لا خوفا على نفسه، وإنما لن ذلك هو ما يمليه عليه العقل. ومعنى ذلك أن التهور، والتضحية المقصودة لذاتها دون أن يكون من ورائها فائدة لأحد، ولا نصرة لمبدأ ما، ليست في رأيه من الشجاعة في شيء، وطالما أنه صاحب هدف يريد أن يعبر عنه تعبيرا كاملا، فلا قيمة للبطولة الزائفة إذا لم يكن من ورائها انتصار لهذا الهدف أو نشر له، وإذا كانت نتيجتها الوحيدة هي الإضرار به، باسم الشجاعة، على نحو يقضي على الإمكانيات الهائلة لتفكيره.
ولنتأمل ما يقوله اسپينوزا في هذا الصدد في موضع آخر من كتاب «الأخلاق»: «إن فضيلة الرجل الحر تتمثل في توقيه للأخطار بقدر ما تتمثل في تغلبه عليها.»
32
وفي البرهان على هذه القضية يقول: «إن قهر التهور يقتضي من الفضيلة أو العزم ما لا يقل عما يقتضيه قهر الخوف.» وفي نتيجة لهذه النظرية ذاتها يقول: «إن الرجل الحر يبدي من الشجاعة إذا انسحب في الوقت المناسب بقدر ما يبديه إذا أقدم على النضال؛ أي إن الرجل الحر يبدي نفس القدر من الشجاعة أو حضور الذهن، سواء اختار أن يقبل على المعركة أم أن يدبر عنها.»
هذه النظريات والبراهين والنتائج السابقة مرتبطة أوثق الارتباط بتاريخ حياة اسپينوزا، وهي تعبير منه عن تجربته الخاصة في هذه الحياة ومبادئه التي طبقها فيها. ومن القرائن القوية التي تدل على ارتباطها بحياته أنه تحدث في النظريات التي تلي السابقة مباشرة عن علاقة الإنسان الحر بالجهلاء إذا ما عاش بينهم، وهو تسلسل لا يبرره إلا الارتباط بين فهمه لشجاعة الإنسان الحر، التي تتمثل في توقي الخطر مثلما تتمثل في التغلب عليه، وبين الظروف التي يعيش فيها هذا الإنسان الحر وسط جهلاء، وهي نفس الظروف التي عاش فيها اسپينوزا.
ويتحدد الطرف الثاني في مشكلة اسپينوزا من القضية التي ترد بعد ذلك بقليل، والتي يقول فيها: «إن الإنسان الحر لا يغش أبدا، بل يسلك دائما سلوكا أمينا.»
33
Page inconnue