محمدٌ ﷺ صابرًا
لا يعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به ﷺ وهو صابرٌ محتسب ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل:١٢٧] صبر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة، والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع، وتكالب الأعداء، وتحزب الخصوم، واجتماع المحاربين، وصلف المعرضين، وكبر الجبارين، وجهل الأعراب، وجفاء البادية، ومكر اليهود، وعتو النصارى، وخبث المنافقين، وضراوة المحاربين.
وصبر على تجهم القريب، وتكالب البعيد، وصولة الباطل، وطغيان المكذبين.
صبر عن الدنيا بزينتها، وزخرفها، وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية، وبريق المنصب، وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلبًا لمرضاة ربه.
فهو ﷺ الصابر المحتسب في كل شأنٍ من شئون حياته، فالصبر درعه، وترسه، وصاحبه، وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه؛ تذكر: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [ق:٣٩] وكلما بلغ به الحال أَشُدَّه والأمر أَضيقه؛ تذكر: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ﴾ [يوسف:١٨] وكلما راعه هول العدو، وأقض مضجعه تخطيط الكفار؛ تذكر: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف:٣٥].
وصبره ﷺ: صبر الواثق بنصر الله، المطمئن إلى وعد الله، الراكن إلى مولاه، المحتسب الثواب من ربه جل في علاه.
وصبره ﷺ: صبر من علم أن الله سوف ينصره لا محالة، وأن العاقبة له، وأن الله معه، وأن الله حسبه وكافيه.
يصبر ﷺ على الكلمة النابية فلا تهزه، وعلى اللفظة الجارحة فلا تزعجه، وعلى الإيذاء المتعمد فلا ينال منه، مات عمه فصبر ماتت زوجته فصبر قتل حمزة فصبر أُبعد عن مكة فصبر توفي ابنه فصبر رُميت زوجته فصبر كُذِّب فصبر، قالوا: شاعر كاهن ساحر مجنون مفترٍ؛ فصبر، أخرجوه فصبر، آذوه فصبر، شتموه فصبر، سبوه فصبر، حاربوه فصبر، سجنوه فصبر، وهل يُتعلم الصبر إلا منه، وهل يُقتدى بأحدٍ في الصبر إلا به، فهو مضرب المثل في سعة الصدر، وجليل الصبر، وعظيم التحمل، وثبات القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين ﷺ.
2 / 4