فقال عم إبراهيم وقد سرته ملاحظتي: ابن حلال قلت إيه الغيبة الطويلة دي يا توت؟ قال لي: تعرف أنا كنت فين يا عم إبراهيم؟ قلت لنفسي هايروح فين يعني، والناس الطيبين دول حيروحوا فين، الناس اللي لا تعرف سيما ولا قهوة. قلت له: جاي من الجامع طبعا. لقيته اتنفض وقال لي: جامع إيه! أنا جاي من مصر.
أقولك الحق: أنا ما صدقتش واحد ييجي من مصر على رجليه مش معقول. ده حتى القطر بيقطعها في سبعتاشر ساعة. رجعت أقول دول ناس مباركين، وربنا فاتح قلوبهم على الإيمان، فسألته: ورحت فين في مصر؟ قال: والله يا عم إبراهيم أنا دخت! لفيت في كل مكان، رحت القلعة، والسيدة، والإمام، ما سيبتش حارة إلا لما لفيتها، حتى العزب والكفور اللي من هنا لمصر.
قلت له: والناس عرفتك يا توت؟ - ناس مين؟ هو أنا لقيت ناس؟ كلهم نايمين. - نايمين؟ يمكن طبيت هناك بالليل. - بأقولك نايمين، نايمين. قمت سألته وأنا قلبي بينقبض: وفضيلتك كنت عايز تصحيهم؟
قام اتأثر قوي وبان على وشه الزعل وقال لي: أنا كنت فاكر إن احنا بس اللي نايمين، أتاري الناس كلها نايمة، ورايحة في النوم، من زمان.
أعمل إيه؟ هزيت راسي وقتل له: صحيح من زمان.
رجع يقول: أنا كنت فاكر إن أمة فرعون هي اللي نايمة في التراب، أتاري الناس هنا كمان، متكفنين، ومتربطين في البيوت ، والشوارع والقهاوي، وفي الحكومة، كله نوم!
استعجبت وقلت له: صحيح يا توت، كله نوم يا رسول الله!
قال لي: أنا غلبت أنفخ في النفير، إن الناس تصحى؟ ما تصحاش. يا عالم اصحوا. لا إحنا مرتاحين كده. قال: تعرف إن بختنا أحسن منكم؟ قول ما عجبتنيش الكلمة دي. قلت له إزاي بأه يا سيدنا توت؟
قال لي: على الأقل احنا لقينا اللي يفتح قبورنا، ويرفع توابتنا، ويشيل الكفن عنا، لكن أنتم ...
أعمل إيه؟ قلت له: صحيح، إحنا لسه يا عم توت!
Page inconnue