واصلت إت قائلة: «إنه لا يكترث بالسن أو الحجم. أعتقد أنها موهبة فطرية يتمتع بها، لكني آمل ألا تكون السيدات ينخدعن فيه ويقعن بين براثنه.»
قالت شار: «هذا أمر لا يقلقني.»
قبل يوم واحد، قبلت إت دعوة بلايكي نوبل للذهاب معه في واحدة من جولاته والاستماع إلى معسول كلامه. ووجهت الدعوة أيضا إلى شار، ولكنها لم تذهب بالطبع. كان بلايكي نوبل يقود حافلة، كان الجزء السفلي منها مطليا باللون الأحمر فيما كان الجزء العلوي مخططا، بحيث تشبه المظلة. وعلى جانب الحافلة كتبت الكلمات التالية: «جولات على شواطئ البحيرات، مقابر الهنود، الحدائق الجيرية، منتجع المليونيرات، مع السائق والمرشد بلايكي نوبل.» كان بلايكي يقيم في غرفة بالفندق، وكان يعمل أيضا مع أحد مساعديه بالأرض في تجزيز العشب وتقليم أشجار أسوار الحدائق وحفر الحواف. يا له من ذل بعد عز! قالتها إت في بداية فصل الصيف عندما اكتشفت عودته؛ فقد عرفته هي وشار في الأيام الخوالي.
وهكذا وجدت إت نفسها محشورة في حافلته مع الكثير من الغرباء، لكنها بحلول عصر اليوم كونت صداقات مع عدد منهم، وقطعت على نفسها وعودا بتوسعة بعض السترات، كما لو أنه لم يكن لديها ما يشغلها بالفعل. كان هذا كله على هامش الأحداث، أما ما كان يشغل بالها حقا فهو مراقبة بلايكي.
وما الذي لديه ليستعرضه؟ بضع ربى ينمو عليها العشب، مدفون تحتها جثث الهنود، بقعة من الأرض مليئة بمنحوتات جيرية غريبة الشكل، كئيبة المنظر، ذات لون أبيض مائل للرمادي - في محاكاة متكلفة لنباتات (يمكنك أن تعتبرها مقبرة إن أردت ذلك) - ومنزل عتيق ذو هيئة بشعة بني بأموال الخمور، غير أن بلايكي حقق أقصى استفادة منه؛ إذ بدأ عرضه بحديث تاريخي عن الهنود، أتبعه بحديث علمي حول الحجر الجيري. لم يكن أمام إت وسيلة لمعرفة مدى صحة ما يرويه لهم. أما آرثر فيعرف، ولكنه لم يكن هناك؛ فلم يكن هناك سوى نسوة سخيفات، يأملن أن يمشين بجانب بلايكي من المعالم السياحية وإليها، والدردشة معه وهن يحتسين الشاي في جناح الحجر الجيري، متطلعات إلى أن يضع يده القوية أسفل مرافقهن، بينما تمسد يده الأخرى مكانا ما حول الخصر، وهو يساعدهن في النزول من الحافلة (همست إت بحدة: «أنا لست سائحة» عندما حاول فعل ذلك معها).
أخبرهن أن المنزل كان مسكونا. وكانت أول مرة في حياتها تسمع إت عن ذلك، وهي التي تعيش على بعد عشرة أميال منه طوال حياتها؛ إذ إن امرأة قتلت زوجها، ابن المليونير، أو على الأقل يعتقد أنها هي من قتله. «كيف؟» هكذا صاحت إحدى السيدات في إثارة جنونية.
عندها قال بلايكي بصوت رقيق، جمع بين السخرية والحنو في الوقت نفسه: «آه، إن السيدات حريصات دائما على معرفة الوسيلة. لقد قتلته بالسم ... البطيء، أو هذا ما قالوه. بيد أن هذا كله محض إشاعات، ثرثرة أهل البلدة.» (قالت إت لنفسها: ثرثرة أهل البلدة! مستحيل.) «كل ما هنالك أنها لم تحب صديقاته من السيدات. لم تحبهن الزوجة. بالقطع لم تحبهن.»
أخبرهن أن الشبح أخذ يذرع الحديقة جيئة وذهابا، بين صفين من شجر التنوب الشائك. لم يكن القتيل هو من يمشي، بل زوجته، نادمة على فعلتها. ابتسم بلايكي في أسف لمن جاءوا معه في الحافلة. في البداية اعتقدت إت أن اهتمامه مصطنع، مجرد مغازلة تجارية عادية، لمنحهم بضاعة تعادل قيمة ما دفعوه من أموال، ولكن فكرتها تلك أخذت في التغير شيئا فشيئا؛ فقد كان ينحني على كل امرأة يتحدث إليها - بصرف النظر عن بدانتها أو نحافتها أو سخافتها - كما لو كان هناك شيء خاص فيها يود العثور عليه. كانت نظرته لطيفة وضاحكة ولكنها في حقيقتها جادة وثاقبة (هل كانت تلك هي النظرة التي تطل من أعين الرجال في نهاية المطاف عندما يمارسون الحب، تلك النظرة التي لن تراها إت أبدا؟) جعلته يبدو وكأنه يريد أن يكون غواصا في أعماق البحار، يغوص ويغوص عبر الفراغ والبرد والحطام لاكتشاف شيء واحد وطن نفسه على اكتشافه، شيء صغير ولكنه ثمين، شيء يصعب إيجاده، كياقوتة في قاع المحيط. تلك هي النظرة التي تود أن تصفها لشار. لا شك أن شار رأتها من قبل، لكن هل عرفت كيف يجري توزيعها بالمجان؟ •••
كانت شار وآرثر يخططان لرحلة ذلك الصيف لمشاهدة حديقة يلوستون وأخدود جراند كانيون، لكنهما لم يذهبا؛ إذ تعرض آرثر لسلسلة من نوبات الدوار قبيل نهاية المدرسة، ونصحه الطبيب بملازمة الفراش. كان آرثر يعاني العديد من الأمراض؛ فقد كان مريضا بالأنيميا ويعاني عدم انتظام ضربات القلب، علاوة على متاعب كليتيه. وكانت إت تخشى إصابته بسرطان الدم، حتى إن الأرق داهم لياليها من فرط القلق.
قالت لها شار بهدوء: «لا تكوني سخيفة، كل ما هنالك أنه مجهد وحسب.»
Page inconnue