قال آرثر: «ما زلت مندهشا مما آل إليه حالك.»
لقد فاجأت الجميع، ولكن ليست إت نفسها، التي تغيرت بسهولة من فتاة تتقافز بحركات دائرية إلى أحد معالم البلدة؛ فقد استأثرت بسوق تفصيل الملابس على حساب الحائكات الأخريات؛ إذ كانت المشتغلات بتلك المهنة مجرد مخلوقات متواضعة غير مهمة على أي حال، يدرن على بيوت الناس، ويحكن الملابس في الغرف الخلفية ويعبرن عن امتنانهن لزبائنهن شكرا لهم على ما يقدمونه من وجبات. وطوال سنوات عمل إت لم يظهر أمامها سوى منافسة جدية، وهي امرأة فنلندية أطلقت على نفسها لقب مصممة أزياء. جربها بعض الناس؛ لأن الناس لا يرضون أبدا، لكن سرعان ما تبين أنها مجرد مظهر مخادع دون مهارة حقيقية. لم تأت إت على ذكرها قط، بل تركت الناس يكتشفون حقيقتها بأنفسهم؛ ولكن بعد ذلك، عندما غادرت هذه المرأة البلدة وذهبت إلى تورونتو - حيث ما من أحد يعرف التفصيل الجيد من السيئ بحسب ما استنتجت إت مما رأته في الشوارع - لم تعد إت تكبح جماح نفسها؛ إذ كانت تقول للزبونة التي تفصل لها: «أرى أنك لا تزالين ترتدين ذلك الثوب من القماش المقصوص على شكل رقم 7 الذي فصلته لك صديقتي الأجنبية، رأيتك في الشارع.»
فتقول لها الزبونة: «أوه، أعرف. ولكني مضطرة إلى ارتدائه حتى يبلى.» «لا تستطيعين رؤية نفسك من الخلف؛ لا فارق إذن.»
كانت الزبائن يقبلن منها هذا التقريع، بل وأصبح شيئا متوقعا بالنسبة لهن. صرن يلقبنها بالفظيعة، إت الفظيعة. دائما ما تضعهن في موقف غير مؤات، ولا عجب، فهي تحادثهن وهن في ملابسهن التحتية يرتدين مشدات الجسم. حتى السيدات اللاتي يبدون حازمات وقويات جدا في الخارج يتحولن هنا إلى نسوة مسلوبات الإرادة كاسفات البال يكشفن عن أفخاذ تدعو للرثاء مضغوطة بفعل المشدات، وثنيات طويلة مؤسفة في الثديين، وبطون انتفخت ثم فرغت فتجعدت بسبب الولادة والعمليات.
دأبت إت على إغلاق الستائر الأمامية بإحكام، مشبكة الفرجة بينها بدبوس. «هذا لمنع الرجال من التطفل.»
فتضحك السيدات بعصبية. «هذا لمنع جيمي ساندرز من أن يعرج إلينا ويتلصص علينا.»
كان جيمي ساندرز أحد قدامى المحاربين بالحرب العالمية الأولى، ويمتلك محلا صغيرا بجوار محل إت يبيع فيه سروج الأحصنة والمنتجات الجلدية. «أوه، إت. جيمي ساندرز لديه ساق خشبية.» «ولكن ليست لديه عيون خشبية، أو أي شيء آخر أعرفه.» «إت ، أنت فظيعة.» •••
حرصت إت على أن تفصل لشار ملابس تظهر جمالها. وأكثر انتقادين كانا يوجهان إلى شار في موك هيل هما أنها ترتدي ملابس أنيقة جدا، وأنها تدخن؛ نظرا لأنها زوجة معلم وينبغي لها أن تمتنع عن كلا هذين الأمرين، ولكن آرثر بالطبع سمح لها بفعل كل ما يعجبها، بل إنه اشترى لها مبسم سيجار حتى تبدو كسيدة تظهر على غلاف مجلة. كانت تدخن في إحدى حفلات الرقص بالمدرسة الثانوية، وارتدت فستان سهرة عاري الظهر مصنوعا من الساتان، وراقصت صبيا سبق له أن تسبب في حمل فتاة في المدرسة الثانوية، ولم يأبه آرثر لذلك. لم تتم ترقيته إلى منصب ناظر المدرسة؛ بعد أن تجاوزه مجلس المدرسة مرتين واستقدم نظارا من خارجها، وعندما منحوه الوظيفة في النهاية، في عام 1942، كان ذلك بشكل مؤقت فقط؛ لأن الكثير جدا من المعلمين كانوا بعيدين في الحرب.
كافحت شار كثيرا لكي تحافظ على قوامها. وما من أحد باستثناء إت وآرثر يعلم كم الجهد الذي بذلته لتحقيق تلك الغاية. وباستثناء إت فلا أحد يعلم كل شيء عن تلك المسألة؛ فقد كان والداهما بدينين، وورثت شار عنهما الميل إلى البدانة، مع أن إت دائما ما كانت نحيفة كالعصا. اعتادت شار ممارسة التمارين الرياضية وشرب كوب من الماء الدافئ قبل كل وجبة. ولكن في بعض الأحيان كانت تعكف على الأكل بنهم. كانت إت تعلم عنها أنها يمكن أن تلتهم دستة من كعك الكريمة واحدة تلو الأخرى، أو رطلا من حلوى الفول السوداني أو فطيرة ليمون المارنج كاملة، ثم لا تلبث أن تصاب بالشحوب والرعب فتقوم بابتلاع كميات كبيرة من الملح الإنجليزي بكميات تفوق الكمية المقررة بثلاث أو أربع أو خمس مرات، فتظل مدة يومين أو ثلاثة مصابة بالإعياء والجفاف للتكفير عن خطاياها، على حسب قول إت. وخلال تلك الفترات لا تستطيع النظر إلى الطعام. ويكون على إت أن تأتي وتطهو الطعام لآرثر، الذي لم يكن على علم بأمر الفطائر أو حلوى الفول السوداني أو خلافه، ولا حتى بأمر الملح الإنجليزي. كان يعتقد أنها زادت رطلا أو اثنين وتمر بمرحلة محمومة من الحمية الغذائية. كان يشعر بالقلق عليها.
دأب آرثر على أن يقول لإت: «ما الفارق، ما أهمية ذلك؟ فهي لا تزال جميلة.» «لن تؤذي نفسها.» هكذا ترد عليه إت مستمتعة بطعامها، وسعيدة لأن قلقه لم يفسد شهيته، فدائما ما تطبخ له طعام عشاء شهيا. •••
Page inconnue