كانت الخالة لينا قاسية طوال الوقت، وأدرك الآن أن السبب هو الخوف. لم تترك أطفالها يسبحون في البحيرة خوفا من أن يغرقوا، وكانت تقول إنها لن تسمح لهم بالتزلج في فصل الشتاء خوفا من أن يتسبب التزحلق في كسر رقابهم، كما أنها لم تسمح لهم حتى بتعلم التزلج خوفا من كسر أرجلهم أو إصابتهم بالشلل مدى الحياة. كانت تضربهم طوال الوقت خوفا من أن يصبحوا كسالى أو كذابين عندما يكبرون، أو حمقى يحطمون الأشياء. وبالفعل لم يكونوا كسالى ولكنهم على أي حال كانوا يحطمون الأشياء؛ فقد كانوا دائمي الاندفاع وانتزاع الأشياء من الآخرين، وبالطبع كانوا جميعا كذابين، وحتى الصغار كانوا يكذبون باستمرار بصورة غريزية؛ فقد كانوا يكذبون حتى عندما لم يكن ذلك ضروريا، يكذبون لمجرد الكذب، وربما كان ذلك يشعرهم بالسرور. كانوا دائما يقولون الكذب ويخلفون العهد، كانت لديهم أكثر مواهب الساسة قسوة. كانوا يعوون عندما يضربون، كانت الكرامة تعتبر نوعا من الرفاهية التي تجاهلوها منذ فترة طويلة، أو لم يفكروا فيها قط. إذا لم تعو للخالة لينا عندما تضربك فلن تتوقف أبدا! فقد كانت ذراعاها قويتين كالرجال، وتعبير وجهها يحمل ضراوة لا قبل لهم بها. ولكن بعد خمس أو ثلاث دقائق، ينسى أبناؤها كل ذلك، ولكن بالنسبة لي يمكن لمثل هذا الإذلال أن يتسبب في حزني لأسابيع أو إلى الأبد.
احتفظ الخال جيمس باللهجة الأيرلندية التي فقدتها أمي وأوشكت الخالة دودي على فقدانها. كان صوته جميلا عندما ينطق أسماء الأطفال، ماري أو رونالد أو روثي. كان ينطق الأسماء بحنان وارتياح حتى في توبيخه لهم، وكأن الأسماء أو الأطفال أنفسهم عبارة عن نكات تحكى له. لكنه لم يحاول أن يمنع أمهم من ضربهم قط، أو حتى لم يبد مجرد الاعتراض، كما لو أن الأمر لا يمت له بصلة، كما لو أن الخالة لينا ليست لها صلة به.
قالت الخالة دودي إن أصغر طفل لديهم ينام في سرير الوالدين حتى يحل محله طفل جديد.
ثم استطردت: «اعتاد أن يأتي إلي مرارا لزيارتي، حيث كنا نضحك كثيرا، وكان يصطحب اثنين أو ثلاثة من الأطفال، لكنه توقف عن ذلك لسبب أعرفه؛ وهو أنهم يشون به عند أمهم، ثم توقف هو نفسه عن زيارتي، إنها هي من تفرض القوانين ولكنه يعاقبها بموجب قوانينها، أليس كذلك؟» •••
لا تحصل الخالة دودي على صحيفة يومية، مكتفية بالصحيفة الأسبوعية التي تنشر في المدينة والتي حصلت عليها عندما أقلتنا.
فصاحت قائلة: «الصحيفة بها خبر عن ألن دوراند.»
تعجبت أمي من ذلك قائلة: «ألن دوراند، إنه رجل عالي المقام الآن من هولشتاين بألمانيا، وقد تزوج من غربية.» «ماذا يقول الخبر؟» «إنه عن حزب المحافظين. أراهن أنه يريد ترشيح نفسه، أراهن على ذلك.»
كانت أمي تجلس على الكرسي الهزاز خالعة حذاءها، وكانت تضحك وظهرها متكئ على عمود الشرفة، وهي تقطع الفاصوليا الصفراء لتعبئها.
علقت الخالة دودي، قائلة: «أتذكر عندما قدمنا له عصير الليمون.» ثم التفتت إلي لتواصل: «عندما كان مجرد صبي كندي فرنسي، يعمل هنا بضعة أسابيع في فصل الصيف.»
فصححت لها أمي: «اسمه فقط كان فرنسيا، لكنه لم يكن يتحدث الفرنسية.» «لو رأيته الآن ما عرفته؛ فقد غير ملته أيضا، ويذهب إلى كنيسة سانت جون.» «لطالما كان يتمتع بالذكاء.» «بالتأكيد هو كذلك، ولكننا استملناه بعصير الليمون.»
Page inconnue