وأما الصاد التي كالزاي، فهي التي يقل همسها١ قليلا، ويحدث فيها ضرب من الجهر، لمضارعتها٢ الزاي، وذلك قولك في يصدر يصدر، وفي قصد قصد٣.
ومن العرب من يخلصها زايا، فيقول يزدر وقزد، وقالوا في مثل لهم: "لم يحرم من فزد له" أي فصد له. وتأويل هذا أن الرجل كان يضيف الرجل في شدة الزمان، فلا يكون عنده ما يقريه٤، ويشح أن ينحر راحلته له، فيفصدها٥، فإذا خرج الدم سخنه للضيف، إلى أن يجمد ويقوى، فيطعمه أياه٦، فجرى المثل في هذا، فقيل: "لم يحرم من فزد له". أي لم يحرم القرى من فصدت له، إلا أنه أسكن الصاد تخفيفا، كما يقال في ضرب زيد: ضرب، وفي قتل: قتل، فلما سكنت الصاد ضارعوا٧ بها الدال التي بعدها، بأن قلبوها إلى أشبه الحروف بالدال من مخرج الصاد، وهي الزاي، لأنها مجهورة٨، كما أن الدال مجهورة، فقالوا: فزد. فإن تحركت الصاد لم يجز فيها البدل، وذلك نحو صدر وصدف، لا تقول فيه زدر ولا زدف، وذلك أن الحركة قوت الحرف وحصنته، فأبعدته من الانقلاب، بل قد يجوز فيها إذا تحركت إشمامها٩ رائحة الزاي، فأما أن
_________
١ الهمس: وهو غير الجهر، والمهموس من الحروف ما يضعف الاعتماد على مخرجه عند النطق به، وعلامته أن يبقي النفس جاريا عند النطق به، والحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك: "حثه شخص فسكت". اللسان "٦/ ٤٦٩٩"، مادة "هـ. م. س".
٢ المضارعة: المشابهة: اللسان "٤/ ٢٥٨٠". مادة "ضرع".
٣ اعلم أن النطق بالصاد هنا وفي يصدر هو بين الصاد والزاي.
٤ يقريه: ما يقدمه لضيف من الطعام. اللسان "٥/ ٣٦١٨". مادة "قرى".
٥ يفصدها: يشق عرقها ليستخرج دمه فيشربه. اللسان "٥/ ٣٤٢٠". مادة "فصد".
٦ الضمير عائد إلى الرجل السابق ذكره.
٧ ضارعوا: شابهوا. اللسان "٤/ ٢٥٨٠".
٨ المجهور: من الأصوات: صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة، كالذال والدال مثلا. مادة "جهر".
٩ الإشمام: عند جمهور النحاة والقراء، صيغ الصوت اللغوي بمسحة من صوت آخر، مثل نطق كثير من قيس وبني أسد لأمثال: "قيل وبيع" بإمالة نحو واو المد، ومثل إشمام الصاد صوت الزاي في قراءة الكسائي بصفة خاصة. اللسان "٤/ ٢٣٣٣". مادة "ش. م. م". والإشمام أيضا "لدى القراء وحدهم": الإشارة بالشفتين إلى الضمة المحذوفة من آخر الكلمة الموقوف عليها بالسكون من غير تصويت بهذه الضمة.
انظر/ الوسيط مادة "شمر" "١/ ٥١٥".
1 / 65