ويدلك على أنها وإن كانت قد قربت من الساكن فإنها في الحقيقة متحركة، أنك تعتدها في وزن العروض حرفا متحركا، وذلك نحو قول كثير١.
أان زم أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البيت أنت حزين٢
ألا ترى أن وزن قولك "أان زم": فعولن، فالهمزة إذن مقابلة لعين "فعولن" وهي٣ متحركة كما ترى.
وحدثنا أبو علي، قال: أخذ أبو نواس٤ لفظ سيبويه ومعناه، يعني قوله: "بين بين"، فقال:
وخذ من كف جارية وصيف ... مليح الدل ملثوغ الكلام
له شكل الإناث وبين بين ... ترى فيه تكادية الغلام٥
_________
١ كثير: هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر العذري، من فحول شعراء الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريرا والفرزدق والأخطل والراعي وكان كثير غاليا في التشيع يذهب مذهب الكيسانية.
مات سنة ١٠٥هـ في ولاية يزيد بن عبد الملك. انظر/ الأغاني "٨/ ٢٥".
٢ زم: من زمم الجمل إذا شد عليه الزمام. مادة "ز. م. م". اللسان "٣/ ١٨٦٥".
إجمال: واحدها "جمل" وهو الكبير من الإبل.
البين: الفراق. مادة "بين" اللسان "١/ ٤٠٣".
شرح البيت، هل تحزن إذا شدت الأزمة على الجمال، وفارقك الجيران ونعب الغراب آذنا بالرحيل؟
الشاهد في البيت قوله: "أان زم" وهو شاهد على أن الهمزة تكون متحركة حتى لو كانت مسهلة كما في المتن.
إعراب البيت: الهمزة: للاستفهام. أن: أداة شرط جازمة سهلت همزتها.
٣ وهي: ضمير راجع إلى عين فعولن، لانها ظاهرة الحركة.
٤ أبو نواس: هو أبو الحسن بن هانئ، الشاعر المتفنن، والجاد الماجن، وصاحب الصيت الطائر، والشعر السائر، ورأس المحدثين بعد بشار، وهو فارسي الأصل، ولد بكورة خوزستان سنة ١٤٥هـ، ونشأ يتيما وعمل بالعطارة ثم مدح الرشيد ومحمد الأمين، وتوفي ببغداد سنة ١٩٨هـ.
٥ الوصيف: الخادم الحدث، يريد الساقي، ويطلق على الجارية أيضا. اللسان "٦/ ٤٨٥٠".
مليح: ملح الشيء من باب ظرف وسهل أي حسن فهو مليح، والجمع ملاح وأملاح.
1 / 62