من ذلك قولهم: رجل أعجم، وامرة عجماء: إذا كانا لا يفصحان ولا يبينان كلامهما، وكذلك العجم والعجم، ومن ذلك قولهم: عجم الزبيب١ وغيره، إنما سمي عجما لاستتاره وخفائه بما هو٢ عجم له. ومن ذلك قوله ﵇: "جرح العجماء جبار"٣ يراد به البهيمة٤ لأنها لا توضح عما في نفسها، ومن ذلك تسميتهم: صلاتي الظهر والعصر العجماوين، لم كانتا لا يفصح فيهما بالقراءة.
قال أبو علي: ومن ذلك قولهم: عجمت العود ونحوه، إذا عضضته. قال: وهو يحتمل أمرين، كل واحد منهما راجع إلى ما قدمناه:
أحدهما: أنه قيل: عجمته، لأنك لما أدخلته فاك لتعضه، فقد أخفيته في فيك، والآخر: أنك قد ضغطت بعض أجزائه بالعجم، فأدخلت بعضها في بعض، فأخفيتها، وربما سميت العرب الأخرس أعجم من هذا، فأما قول ذي الرمة:
حتى إذا جعلته بين أظهرها ... من عجمة الرمل أنقاء لها حبب٥
عجمة: معظم الرمل، وأشده تراكما، سمي بذلك لتداخله، واستبهام أمره على سالكه، ومنه قولهم: اسعجمت الدار: إذا صمت، فلم تجب سائلها.
_________
١ عجم الزبيب: حبه الذي في جوفه. اللسان "٤/ ٢٨٢٨". مادة "عجم".
٢ بما هو: ما: يراد بها ثمرة الزبيب التي في جوفها الحبة، والضمير يراد به "عجمة الزبيب" وهي الحبة التي في داخل الزبيبة.
٣ "جرح العجماء جبار": أي هدر. قال الأزهري: معناه أن البهيمة العجماء تنفلت فتتلف شيئا، فهو هدر. اللسان "٤/ ٢٨٢٧". مادة "ع. ج. م".
٤ البهيمة: واحدة البهائم. مادة "ب. هـ. م". اللسان "١/ ٣٧٦".
٥ الأنقاء: جمع نقا، وهو الرمل المحدودب المنقاد. اللسان "٦/ ٥٤٣٢". مادة "ن. ق. أ".
الحبب: بكسر الحاء: جمع حبة، وروي بالخاء، ومعناهما: الطريقة في الرمل. والهاء في جعلته ضمير راجع إلى الثور الوحشي. مدة "ح. ب. ب". اللسان "٢/ ٧٤٥".
والمعني: حتى إذا صار الثور وسط الرمال أدركه الليل، وضم الظلام عليه شملته، أي حلته، والمقصود أن الليل ستره، كما يفهم من البيت بعده.
ضم الظلام على الوحشي شملته ... ورائح من نشاص الدلو منسكب
والشاهد في البيت: كلمة "عجمة" حيث أطلق على الرمل لشدة تداخله وتراكمه كلمة عجمة.
إعراب الشاهد: عجمة: اسم مجرور بحرف الجر من وعلامة الجر الكسرة.
1 / 49