إن سأل سائل فقال: ما معنى قولنا حروف المعجم؟ هل المعجم صفة لحروف هذه أو غير وصف لها؟
فالجواب أن "المعجم" من قولنا حروف المعجم، لا يجوز أن تكون صفة لحروف هذه من وجهين:
أحدهما: أن "حروفا" هذه لو كانت غير مضافة إلى المعجم، لكانت نكرة، والمعجم كما ترى معرفة، ومحال وصف النكرة بالمعرفة.
والآخر: أن الحروف مضافة إلى المعجم، ومحال أيضا إضافة الموصوف إلى صفة، والعلة في امتناع ذلك أن الصفة هي الموصوف، على قول النحويين، في المعنى، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت أخاك الظريف، فالأخ هو الموصوف، والظريف هو الصفة، والأخ هو الظريف في المعنى وليس يريد النحويين بالصفة ما يريد المتكلمون بها، من نحو القدرة، والعلم، والسكون والحركة، لأن هذه الصفات غير الموصوفين بها، ألا ترى أن السواد غير الأسود، والعلم غير العالم، والحركة غير المتحرك، وإنما الصفة عند النحويين هي النعت، والنعت هو اسم الفاعل أو المفعول، أو ما يرجع إليهما من طريق المعنى، مما يوجد فيه معنى الفعل، نحو ضارب ومضروب، ومثل وشبه ونحو، وما يجري مجرى ذلك، وإذا كانت الصفة هي الموصوف عندنا في المعنى، لم يجز إضافة الحرف إلى المعجم، لأنه غير مستقيم إضافة الشيء إلى نفسه، وإنما امتنع ذلك من قبل أن الغرض في الإضافة إنما هو التخصيص والتعريف، والشيء لا تعرفه نفسه، لأنه لو كان معرفة بنفسه لما احتيج إلى إضافته، وإنما يضاف إلى غيره ليعرفه، ألا ترى أنك تضيف المصدر إلى الفاعل تارة، نحو عجبت من قيام زيد، وإلى المفعول أخرى، نحو عجبت من أكل الخبز، وإنما جازت إضافة المصدر إليهما، لأنه في المعني غيرهما، ونجيز أيضا إضافة الفاعل إلى المفعول، نحو عجبت من ضارب زيد، ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةَ﴾ و﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ .
وإنما جاز ذلك لأن الفاعل غير المفعول، ولا يجوز سررت بطالعة الشمس، كما تقول سررت بطلوع الشمس، لأن طلوعها غيرها، فجازت إضافته إليها، والطالعة هي الشمس، ولا تضيفها إلى نفسها.
1 / 47