الفصل الخامس [في إلزامات أخر]
اتفق الناس على أن القدر اسم ذم لتشبيههم بالمجوس فتدارأته العدلية والجبرية كل فرقة تلقيه على الأخرى فقلنا من يثبت القدر في فعل العبد بمعنى الخلق له أحق بالقدري لأن الاسم إنما يشتق من الشيء لمثبت ذلك الشيء كما أن الثنوي من أثبت ثانيا والمجسم من أثبت جسما ولو اشتق اسم الشيء لنافيه لكان الموحد ثنوي والمنزه مجسمي. إن قالوا بل أنتم القدرية لأنكم تثبتون قدرة للعبد قلنا فأنتم تثبتون قدرة الرب على فعل العبد وأكثركم يثبت قدرة العبد ويزعم أنها موجبة للفعل والخبر ورد بفتح القاف والمثبت للقدرة قدري بالضم فليس هو المراد وأيضا فإن المجبر يكثر ذكر القدر في كل قضية ومن أكثر من شيء عرف به وأيضا فإن النبي(ص)ذمهم فالجبرية أحق بالذم لنسبتهم أنواع القبائح إليه تعالى ونهى عن مجالستهم فالمفسدة في مجالس الجبرية حيث يسهلون المعاصي بقولهم ما قدره الله كان وما لم يقدره فلا ويؤيسون من رحمة الله إذ يجوزون التعذيب من غير ذنب ويقولون خلق الله للجنة قوما لا تضرهم المعصية وللنار قوما لا تنفعهم الحسنة والطاعة وسماهم النبي(ص)شهود الشياطين وخصماء الرحمن إذ جواب إبليس ما منعك أن تسجد رب بما أغويتني فإذا قال الله من شهودك بذلك جاء بالجبرية وحكى الحاكم أن جبريا سمع قارئا يقرأ ما منعك أن تسجد قال هو والله منعه ولو كنت حاضرا لقلت ذلك وحكى أيضا أنه كان بالبصرة نصراني كتب إني كفرت بمحمد بقضاء الله عليه ومنعه الإيمان به وأتى بالكتاب المجبرة فكتبوا خطوطهم بذلك ليشهدوا به في القيامة وشبههم النبي(ص)بالمجوسي والمجبرة كذلك لأن المجوس يقولون بإلهين القادر منهما على الخير لا يقدر
Page 38