Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
كان الوزير الأول واسع المعرفة - على أقل تقدير - بطبائع المهزومين، خاصة على طول تلك البلاد والوهاد، وما يمكن أن يدبروه ويحيكوه في الخفاء، ستفصح عنه الأيام والليالي الحبالى بسحب توقع أميرة اليمامة «الزرقاء» وسبابها حين واجهته جريحة تنزف تحت سنابك خيله في دروب اليمامة ليلا. - غدا تريك الأيام والليالي الحبالى يا حسان الكثير من خباياها.
كان الوزير على دراية بمدى فداحة الكارثة التي تنتظر التبع ورجاله، في دمشق ولبنان وفلسطين مسرا لنفسه: أحقا ما يحدث، يا لها من كارثة.
فهي فعلا كارثة لا بد وأن يصادفها - يوما - كل غافل، أو مغفل. - مثلما حدث تماما لأبيه التبع أسعد حين واصلت جيوشه الزاحفة مشارف الصين إلى حين استسلامه مسلما مقاليد أموره، لأحد الملوك الآسيويين الأسرى الذي اتخذه دليلا وحافظا لأسراره يسيره على هواه، فما كان منه إلا أن ضلله وضلل جيشه لسنوات في ربوع الشرق الأقصى، فكان انسحابه وموته المبكر حزنا وكمدا.
وها هو التاريخ يعيد نفسه تماما مثلما حصل مع الأب أسعد الذي غرق في غفلته وترك دليلة «مقطوع اللسان» يتحكم فيه كما شاء، ثم ليغرق الابن - حسان - في غفلة مماثلة مع قبيلة بني مرة التي أسلم قياده لها طالبا مصاهرتها بالزواج عنوة من أميرتها «الجليلة بنت مرة» ضاربا عرض الحائط بقصة حبها، التي باتت مضرب الأمثال، لابن عمها الفلسطيني كليب بن ربيعة الذي صلب والده على بوابات دمشق عاريا مسمرا على مرأى ومشهد من سكانها الدمشقيين. - ما الجدوى؟
وهو - أي التبع - يعرف أكثر من غيره مدى دموية أولئك الأقوام في دمشق وفلسطين وتربصهم للانتقام مهما طال الزمن.
منذ أن عزم التبع حسان على مصاهرة «آل مرة»، وبعد أن فشلت محاولات الوزير حنظلة في تغيير رأيه، عقد النية على مجرد تلبية كل أوامره ورغباته التي أصبحت لا تنتهي. - ما يأمر به، مشيرا!
بدءا من تحضير قوافل الجمال والخيول المحملة بأكياس وصناديق الهدايا التي كانت تنوء بثقلها الجمال، بحيث آثر الجميع استخدام الفيلة المجلوبة من مجاهل الهند والبنغال والتركستان، مرورا بالعزائم والحفلات والاستقبالات التي لا تنتهي تكريما لآل مرة، وانتهاء بالعرس المرتقب الذي لن يقتصر الأمر فيه على الحفلات وإعداد المأكولات والمشروبات، بل سيشمل أيضا بناء القصور والسرايا وتأثيثها وتزيينها احتفالا «بعرس التبع» الذي أصبح يترقبه الجميع في دمشق وبيروت وعمان والقدس واليمامة وتدمر ووادي الحجاز، ناهيك عن اليمن ومدنها في حضرموت وسبأ وتعز ومعين وقيتبان.
فها هي الجموع تتطلع متلهفة إلى عرس التبع من الجليلة بنت مرة التي كان الصغير والكبير يتحدثان عن ندرتها وفروسيتها بين نساء العالم :
تقول العجوزة التي شاهدت
مليحة تريح العنا والصدود
Page inconnue