Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
حتى إذا ما استفاق التبع المتجبر الغافل لما حل به، واستدار مستطلعا وجه الصديق الحليف الدليل، كان قد أضاع أخلص رجاله وجيشه وأولاده الأربعة.
وهكذا حطت عليه الهموم الثقال، فكان يأمر حجابه بإحضار رءوس أبنائه الأربعة على أربعة أوعية على شكل صوان مصاغة من الذهب الإبريز ومغطاة بالرماد الذي تعتليه الرءوس باكيا متحسرا على مرأى من الصديق: وا ندماه!
وهكذا تهاوى التبع أسعد نهبا لأحزانه الدفينة، حتى إنه - وعلى حد قول المقربين منه، ومنهم ما تبقى من ذريته، عمرو وحسان - لم يعد يقوى على إتيان الفعل ومعرفته. - أين نحن؟
ومن هنا جاء اجتماع الأمراء التسعة الذين كانوا تحت إمرته، مطالبين بضرورة عمل شيء للخروج من ذلك المنزلق القاري الذي لا قبل لهم به، ولو استدعى الأمر ضرورة الانسحاب والعودة إلى ربوع اليمن، ما دام الملك - الغافل - أصبح لا يعي مجرد موقع جيشه من بحار بلاد الصين المتلاطمة، وما دامت الخسائر أصبحت تلاحقهم من كل حدب وصوب، «بل وتنشق الأرض عليهم انشقاقا كل مطلع فجر وغروب.»
حتى إذا ما استقر رأي الأغلبية على ضرورة الانسحاب والعودة إلى جزيرة العرب وربوعها شمالا وجنوبا، لم يجد ولداه - عمرو وحسان - بدا من تأييد قرار العودة، ودون حاجة لأوامر التبع السقيم المريض.
فالأكثر حكمة في مثل هذا القرار، هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مغانم تلك الحروب القارية التي طال أمدها في ربوع آسيا الوسطى والأناضول حتى مداخل الصين، والعودة بها إلى اليمن وجزيرة العرب.
كما أن الأكثر أهمية هو تقبل الأمر الواقع باحتضار «التبع المتجبر» لدفن جثمانه واقفا أو منتصبا حسب وصيته بين رفات أجداده التباعنة، كما أشار في وصيته. - لا تضجعوني فيضطجع ملككم، بل ادفنوني واقفا ليظل ملككم شامخا.
ومن هنا أعدت المراكب تمهيدا لرحلة العودة إلى ربوع جزيرة العرب وموانئها البحرية، فسيقت وحملت الغنائم والأسلاب، وحمل التبع الراقد بعرشه ورءوس أبنائه القتلى وأسراه، وسجينه الملك الآسيوي مقطوع اللسان إلى ظهر السفن دون إعلامه «بقرار العودة والاندحار المفاجئ.»
وأقلعت السفن عائدة باتجاه المحيط الهندي وبحر العرب، يسبقها الرسل إلى ربوع الجزيرة العربية وكياناتها شمالا وجنوبا، إلى حضرموت وعدن وسبأ والحجاز وذي نسور.
فأقيمت الأفراح والزينات لاستقبال الرجال من المحاربين وعلى رأسهم التبع اليمني الغازي أسعد وولداه عمرو وحسان.
Page inconnue