ودولاب يدور الشغل منه
مجوهر فيه مر نصف البلخشي
إذا لم تخبروني لمن ما أقلك
وإلا أنت عندي مثل جحشي
فنحن نشبع الخطار لحما
ونخمش منهم بالزاد خمشي
وحيا إلى أجاويد الرجال
ومن هو لكلامي يسمعني
فلما فرغ أبو زيد من كلامه، وتعجب الأمارة من ذكائه، فحزن التبع شبيب، وحلق ذقن الشاعر، وطرده من عنده، والتفت إلى أبو زيد، وقال له: بقى لي عليك ست أشياء إن عرفتهم خلصت من دهاهم، وإذا ما عرفتهم قتلت أنت ورفقك. فأجابه: ما هم؟ أخبرني عنهم؟ فقال له: المصارعين والمشاكين والمدافقين ورمايين الذهاب، وشايلين العلم وطباخين الكيما. باتوا تلك الليلة إلى الصباح، فقام شبيب، وأحضر كبير المصارعين، وكان بطلا رزينا وما له من قرين، فلما رآه أبو زيد قال له: يا أخا العرب، دونك العرب؛ لأنه أن أجعلك في التراب، ولا تظن الصراع أكله حلو. فقال له المصارع : دع عنك شنشقة لسان يا ذليل يا مهان، واليوم يبان الشجاع من الجبان. فقال أبو زيد: اليوم عندي عيد يقتلك يا مهان. ثم نهض وأثبت الأقدام، وأسرع إليه مثل الأسد الضرغام، والتقى البطلين كأنهم جبلين، وكان المصارع دافن في ركن التبان حربة مثل الثعبان، وهي شغل بلاد الروم، ويريد بها هلاك أبو زيد، فرآها دياب وقال له: خذ بالك يا أمير، وانظر هذه الحربة التي كأنها نقمة، أنا رأيتها قبلك يا أمير دياب، وهذا اليوم أدعيه ملقى على التراب.» «وقال غيره يا أمير شبيب، فتقدم رامي النشاب، فذهب أبو زيد ووقف في تلك الهضاب، فضربه أبو زيد، رماه فوقع قتيلا بدمائه، فعند ذلك تقدموا شايلين العلم فغلبهم، وكذلك طباخين الكيمياء، طلعت طبخته أحسن من طبختهم، ثم التفت إلى شبيب، وقال له يا أمير المؤمنين: لك عندنا شيء بعد من هذا التنكير، فاتركنا نذهب إلى أهلنا وعيالنا، فعند ذلك غضب غضبا شديدا، قال له: لا شك أنك عفريت من عفاريت سليمان. وبعد ذلك أمر الخدم أن يأخذهم إلى السجن لأجل القصاص والانتقام، فأخذوهم في الحال، ووضعوا في أرجلهم القيود والأغلال ووكلوا بهم جماعة من صنايد الرجال. وكان الأمير دياب ومن معه من الأصحاب في خوف وشدة، فجعل أبو زيد يشجعهم، فنهضوا في الحال، وجدوا في قطع الروابي حتى وصلوا إلى بني هلال، وكان وصولهم عند الصباح.» «وأمر العساكر والأبطال للاستعداد إلى الحرب والقتال، فاجتمع عنده مائة ألف مقاتل لقتال بني هلال، وكانت بنو هلال قد استعدت للقتال.» «وكان يوم شديد الأهوال، انتصرت فيه عساكر الشام، وأسرت فيه عدة من البنات والنسوان، وقتلت جملة من الفرسان، ولما أقبل الظلام رجعوا وباتوا في قلق واهتمام، وفي الحادي والثلاثين برز الأمير حسن، وطلب شبيب، فما أتم كلامه حتى صار شبيب أمامه، وانطبق على بعضهما، حتى حجبهما الغبار عن العيون والأبصار، وما زال الأمير حسن يحارب شبيب حتى قرب وقت المغيب.» «وأما الملك شبيب فإنه كان كما تقدم قد أشرنا من ذلك الرمح على العدم ، فلما رأى حاله طريح الفراش، زاد عليه الخوف والارتعاش، وأنشد يقول:
يقول شبيب التبعي بن مالك
Page inconnue