أمام تحديات الهجوم الصليحي، قرر الفاضل البحث عن قلعة جبلية يستطيع عند الضرورة الانسحاب إليها والصمود فيها مع أتباعه. فوقع اختياره على قرية شهارة الجبلية الواقعة في بلاد الأهنوم. وهكذا أرسل أولا أخاه ذا الشرفين للسيطرة على الجبل، لكنه لم يكن قادرا على القيام بتلك المهمة إذ لم تجر مشاورات مسبقة بينه وبين السكان المحليين. لذا أرسل الفاضل بعدها الفقيه علي بن أحمد بن أبي الجيش والشيخ يعقوب بن سليمان العبيدي مع جماعة من الأنصار، حيث استطاعوا الحصول على موافقة وتعاون بعض شيوخ الأهنوميين والظليميين. وتحرك الفاضل إلى حوث، وارسل أخاه سنان الدولة مع عشرة رجال لكي يصعدوا إلى قمة جبل شهارة فيوقدوا عليها النيران علامة على نجاح مهمتهم إن كان ذلك. وأخفى الرجال أنفسهم في بيت أحد المتعاونين معهم من الأهنوم. وفي ظلمة الليل تسلقوا الجبل وانصرف أحدهم لمشاغلة حراس باب سور القرية، وقرع الآخرون الباب فلما سارع بعض أهل القرية ليلا ورأوا خارجه الشريف وشيوخ الأهنوم الموافقين لهم خافوا وتفرقوا. ودخل الشريف وأتباعه القرية، وفي الليلة المقبلة أوقدوا النيران على قمة جبل شهارة. فعاد الشريف الفاضل بسرعة إلى الجوف الأسفل، ومضى بعد أيام بخيل ورجال من بني نهم وسفيان، والشيعة الحسينية، إلى شهارة. وصعد إلى الجبل ودخل القرية في آخر أيام رمضان عام 460ه/ 2 أغسطس 1068م. بذلك صارت شهارة حصن الشرفاء القاسميين، والمقر الدائم للأمير ذي الشرفين، بينما بقي الفاضل غالبا في الجوف الأسفل. وقد مكن جبل شهارة وحصنها الشرفاء من الثبات في وجه هجمات الصليحيين رغم تفوقهم العسكري الواضح. ويبدوا أن نقطة التحول في الحرب بين الطرفين كانت فشل الصليحيين في الاستيلاء على شهارة بعد حصارهم الكبير لها. قاد الحصار على شهارة كل من المكرم وأحمد بن مظفر مع صليحيين آخرين عام 462ه/1070م بعد عودة المكرم من حصاره الثاني لزبيد. وصمد ذو الشرفين للحصار الذي استمر زهاء الخمسة الأشهر(1)، والذي لم يستطع الفاضل الوقوف فيه إلى جانب أخيه لشغل الصليحيين له بميادين أخرى. لكنه تمكن من إيصال أموال لذي الشرفين كان قد تلقاها من جياش بن نجاح حاكم زبيد الجديد(2) الذي استمر في دفع مبالغ شهرية للشرفاء. وقد أوصلها مع وفد سمح له الصليحيون بالوصول عبر خطوطهم لأنه كان يحمل رسالة من الفاضل إلى ذي الشرفين ينصحه بالاستسلام(3). وانتهى الحصار بهجوم مباغت قام به المحاصرون على الصليحيين فقتلوا منهم ثمانمائة رجل، أو تسعمائة رجل حسب رواية أخرى، بمنطقة الرحبة بأسفل الجبل، ولم يفقد المحاصرون غير ثلاثة رجال. ومنذ ذلك الحين صار بوسع الشرفاء رفض عروض الصليحيين للتعاقد والتقارب(4) .
Page 27