Sirag al-muluk
سراج الملوك
Maison d'édition
من أوائل المطبوعات العربية
Lieu d'édition
مصر
فتفاقم الأمر فيها حتى مشى بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في المسجد الجامع قال: فبعثت وأنا غلام إلى ضرار بن القعقاع بن حازم، فاستأذن لي، فإذا هو في شملة يخبط نوى لعنز له حلوب، فأخبرته بمجتمع القوم فأمهل حتى أكلت العنز ثم غسل القصعة وقال: يا جارية غدينا. فأتته بزيت وتمر. قال: فدعاني، فعذرته أن آكل معه حتى إذا قضى من أكله وثب إلى طين ملقى في الدار فغسل به يديه، ثم صاح بالجارية فقال: اسقيني ماء. فأتت بماء فشربه ومسح بفاضله على وجهه وقال: الحمد لله! ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام متى تؤدي شكر هذه النعم؟ ثم قال: علي بردائي. فأتته برداء عدني فارتدى به على تلك الشملة، قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحًا لزيه، فدخل المسجد وصلى ركعتين ومشى إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظامًا له، فتحمل ما كان بين الأحياء من الديات في ماله
وانصرف! وكان البهلول بن راشد الفقيه لما سجن يعطي السجان في كل يوم دينارًا، فاستكثره أصحابه وكلموه في ذلك فقال لهم حفص بن عمارة: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا كمل صدق الصادق لم يملك ما في يده. فخر بهلول على يديه فقبلهما وجعل يقول: سألتك بالله أنت سمعته يقول هذا؟ فحلف بالله! لقد سمعته يقول. وقال الشاعر:
ذريني أكن للمال ربًا ولا يكن
لي المال ربًا تحمدي غبه غدا
أريني جوادًا مات هزلًا لعلني
أرى ما تريني أو بخيلًا مخلدا
وكان عبد الله بن أبي بكر ينفق على أربعين دارًا من جيرانه عن يمينه، وأربعين عن يساره وأربعين أمامه وأربعين خلفه، ويبعث لهم الأضاحي والكسوة في الأعياد ويعتق في كل عيد مائة مملوك. واشترى يومًا جارية بعشرة آلاف درهم فطلب دابة يحملها عليها، فقال رجل: هذه دابتي. فقال احملوها على دابته إلى داره. وقال عبد الله بن زهير:
تخشى الردى أن يصيبني
تروح وتغدو بالملامة والقسم
تقول: هلكنا إن هلكت، وإنما
على الله أرزاق العباد كما قسم!
وإني أحب الخلد لو أستطيعه
وكالخلد عندي أن أموت ولا ألم
وروي أن عربيًا قدم على علي بن أبي طالب ﵁ فقال: يا أمير المؤمنين، لي إليك حاجة، الحياء يمنعني من أن أذكرها! قال: فخطها على الأرض، فخط في الأرض: إني فقير! فقال لغلامه: يا قنبر اكسه حلتي. فكساه الحلة فقال:
كسوتني حلة تبلى محاسنها
فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه
كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
إن نلت حسن ثناء نلت مكرمة
لا تبغين بما قد نلته بدلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به
كل امرئ سوف يجزى بالذي فعلا
فقال علي ﵁: زده مائة دينار! فأعطاه إياها، فلما ولى الأعرابي قال قنبر: يا أمير المؤمنين، لو فرقتها في المسلمين لأصلحت بها شأنهم؟ فقال: مه يا قنبر! فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: اشكروا لمن أثنى عليكم وإذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه. وقال مطرف بن الشخير: إذا أراد أحدكم مني حاجة فليرفعها في رقعة، فإني أكره أن أرى في وجهه ذل الحاجة! وقرئ على القاضي أبي الوليد وأنا أسمع:
وآمرة بالبخل قلت لها: اقصري
فليس إليه ما حييت سبيل!
1 / 94