Cinéma et Philosophie : Que peuvent-ils s'apporter mutuellement ?
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Genres
لكن الأمر لم ينته قطعا. «تقرير الأقلية» أعقد كثيرا من ذلك، وأكثر إرباكا. وسوف نستخدمه كي نتلمس طريقنا عبر متاهات فلسفة الإرادة الحرة. والسؤال الرئيسي الذي سنطرحه هو: إلى أي مدى يبدو الفيلم ملتبسا؟ أهو ملتبس لدرجة يتعذر التغلب عليها؟ أحيانا يكون أفضل ما تقدمه لنا الأفلام، من المنظور الفلسفي، هو تحدي فهم حبكتها الملتبسة. وعبر محاولة فك طلاسم هذا الالتباس قد نتعلم الكثير. ومن جانب آخر قد يتضح أن «تقرير الأقلية» أكثر منطقية مما كان يبدو عليه في البداية، بل وقد يساعدنا على استيضاح بعض من سمات العلاقة بين القدر والإرادة الحرة والمسئولية الأخلاقية. فلنبدأ بتحري الحبكة الرئيسية للفيلم.
إذا كنت قد شاهدت الفيلم، فستعرف أن أندرتون لا يقتل كرو فعليا، بل يطلق عليه النار دون قصد. لدى أندرتون دافع لقتل كرو (إذ يعتقد أنه خطف ابنه وقتله)، ولديه أيضا فرصة لقتله. لكن في اللحظة الأخيرة، وتحت ضغط هائل، يقرر أندرتون الإبقاء على حياته. عندها يتشبث كرو بالمسدس، ويندفع في صراع مع أندرتون يؤدي إلى انطلاق السلاح عرضا مصيبا كرو الذي يطير جسده محطما النافذة. اللحظات الأخيرة تشبه كثيرا نبوءة العرافين لكنها لا تتطابق معها. جميع الزوايا خاطئة. في نبوءة العرافين، يطلق أندرتون الرصاص على كرو من بعد، بينما أثناء وقوع الجريمة يطلق النار على كرو من مكان قريب. في نبوءة العرافين، يقول أندرتون «وداعا» لكرو، لكن في الحدث نفسه لا يقول شيئا. أخطأ العرافون كذلك في التنبؤ بوقت إطلاق النار. يتعرض صناع الفيلم لفكرة أن القدر يوقعنا في شرك، لكنهم يؤثرون بدلا من ذلك التركيز على فرضية أن بوسعنا دوما الهرب من قدرنا شريطة أن نعرف ما هو تحديدا. لقد كان لأندرتون ما أطلق عليه في الفيلم مستقبل بديل. يصبح لدى المرء مستقبل بديل حال وجد نفسه أمام سبيلين على الأقل يمكنه الاختيار بينهما - ما أدركه العرافون في الفيلم كان سبيلا واحدا فحسب منهما - ولا يمكن تحديد أي من السبيلين سيختاره المرء إلى أن يسلكه بالفعل.
1
عندما يرفض أندرتون إطلاق الرصاص على كرو فقد اختار مستقبله البديل. وقد تمكن عبر ذلك من ممارسة إرادته الحرة. حسب طريقة عرض الفيلم للقضية، يبدو أن تفعيل الإرادة الحرة يتطلب وجود مستقبل بديل. إنه يتطلب أن يكون المستقبل مفتوحا للاحتمالات، أن يصبح ممكنا الاختيار من بين أكثر من مستقبل واحد. إذا مارس أندرتون إرادته الحرة، لا يمكن التقرير مسبقا أنه سيفعل ما رآه العرافون يفعله. ولم يكن في الحقيقة «مقدرا» له أن يطلق الرصاص على كرو، بل لم يكن له «قدر» من الأساس. هل يبدو لك ذلك منطقيا؟ فلتتابع القراءة إذن.
ما قبل وقوع الجريمة
إن فيلم «تقرير الأقلية» لا يجسد صراع أندرتون مع القدر فحسب، بل يجسد أيضا ما يطلق عليه «مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها». تدور أحداث الفيلم عام 2054، حيث اكتشفت قدرة العرافيين على التنبؤ بالجرائم قبل وقوعها، بما يشمل تفاصيل مرئية للجريمة، ووقت وقوعها بالضبط، وأسماء الضحايا والمجرمين. واستخدمت تلك القدرة كجزء من مبادرة لتطبيق القانون تثير قدرا كبيرا من الريبة. من يقول العرافون عنهم إنهم مجرمون مستقبليون يلقى القبض عليهم ويسجنون داخل «هالة» (شكل من الحياة الجامدة؛ حياة أشبه بالموت). لا يخبرنا الفيلم أي شيء عن إمكانية استئناف الأحكام التي تصدرها المبادرة، لكن بما أن العرافين معصومون من الخطأ حسبما هو مفترض، لا ينبغي لنا أن نأمل كثيرا في مصير أفضل لأولئك المعتقلين على خلفية جرائمهم المستقبلية . كان اكتشاف إمكانية وقوع العرافين في الخطأ هو ما أدى في النهاية إلى تدمير هذا النظام. وقد زعم ستيفن سبيلبيرج، مخرج الفيلم، في أحد اللقاءات معه أنه سيدعم مبادرة لمنع الجريمة قبل وقوعها شريطة أن يكون على يقين مطلق من استحالة خطأ النبوءات.
2
هل هو محق في ذلك؟
ثمة قضيتان على المحك هنا. أما القضية الأولى فتخص طبيعة العقاب؛ هل يصح بأي حال من الأحوال عقاب شخص ما على شيء لم يرتكبه (بعد)؟ قد نرى أن العقاب إجراء انتقامي في الأساس؛ أي إننا ننزل العقاب بأحدهم جزاء ما اقترفه من جرم؛ إنه رد فعل على الاعتداء، سبيل لتصفية الحسابات، إن جاز التعبير. تلك ليست الرؤية الوحيدة لفكرة العقاب، لكنها رؤية شائعة للغاية، ووفقا لها، تصبح مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها قائمة على أساس سيئ الإعداد. هي دعوة لتصفية الحسابات قبل أن يظهر الصراع، ومحاولة للرد على فعل لم يحدث. وذلك نوع من الالتباس. إذا كانت فكرتنا عن العقاب بصفته إجراء انتقاميا في الأساس صحيحة، فسيصبح السبيل الأمثل لاستخدام قدرات العرافين هو «منع» الجريمة لا «المعاقبة» عليها قبل وقوعها. على سبيل المثال، قد يوضع المجرمون المستقبليون رهن اعتقال وقائي قصير المدى بدلا من معاقبتهم بشكل من الحياة أشبه بالموت. إذا كان المجرم قد شرع بالفعل في ارتكاب فعل القتل قبل أن يتمكن شرطيو منع الجريمة من القبض عليه، فمن الملائم وقتها توجيه تهمة الشروع في القتل إليه. إذا كانت الجريمة لا تزال في طيات المستقبل؛ أي مجرد نية أو نية مستقبلية، فلا مبرر حينئذ لإنزال العقاب.
أما القضية الثانية التي تطرحها مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها فتخص العلاقة بين الإرادة الحرة والمسئولية الأخلاقية. إذا كانت مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها تعمل على أكمل وجه - إذا كانت نبوءة العرافين صحيحة دون ريب - فسيكون صحيحا حينئذ أن الأفراد الذين حددهم العرافون سيقتلون حتما إلا إذا منعوا من ذلك؛ فقدرهم هو ارتكاب جريمة القتل إلا إذا منعوا. لكن ما نوع الاختيار المتاح أمامهم حقا ؟ بما أن جريمة القتل هي قدرهم، فيبدو أن هؤلاء المجرمين المستقبليين لا يملكون خيارا حقيقيا فيما يتعلق بمستقبلهم . وإذا لم يكن أمام المرء خيار سوى فعل شيء ما، فهل هو حقا مسئول أخلاقيا عن فعل ذلك الشيء؟ يدفعنا الفيلم إلى الاعتقاد بأنه يتحمل المسئولية عن ذلك. تنتقد مبادرة منع الجريمة قبل وقوعها في الفيلم لا لأنها قائمة على أساس خاطئ، بل لأن تنبؤات العرافين، كما تكشف الأحداث، تخطئ في بعض الأحيان. لكن لماذا يحق لنا تحميل شخص ما مسئولية أخلاقية على قرارات قدر له اتخاذها؛ أي على قرارات لا يمكنه تجنب اتخاذها؟ يحاول بعض الفلاسفة - يطلق عليهم التوافقيون، وسنناقش آراءهم بمزيد من التفصيل لاحقا في هذا الفصل - الإجابة عن تلك الأسئلة عبر ربط ملكية الاختيار بالمسئولية. ربما كان الأفراد مسئولين عن اختياراتهم ما دامت تلك الاختيارات هي بالفعل «اختياراتهم». وما داموا هم أنفسهم أصحاب الاختيار بالكامل، فقد يكونون مسئولين عنه بالفعل. وقد يكونون مسئولين سواء كان مقدرا لهم اتخاذ هذا الاختيار أم لا. ربما لا يكون الأفراد مسئولين عن أفعال أجبروا على فعلها. تخيل شخصا يقتل تحت تأثير التنويم المغناطيسي.
Page inconnue