ولم لا؟ لا بد أن يعرف.
وماذا بعد أن يعرف؟
وماذا أفيد أنا حين أجعل الأمر الذي سيسمعه الناس؛ فيصدقه بعضهم ويكذبه آخرون حقيقة ثابتة لا شك فيها.
أي فائدة تعود علي حين أعلن أنني فشلت في أن أبقي على زوجي مع أن الله يعلم أنني أنا لم أفشل أن أكون زوجة صالحة، والذي فشل هو مراد في أن يكون إنسانا طبيعيا، شأنه شأن كل الناس. وإنما هو إنسان تعميه مطامعه وإن داس بها على شريكة عمره، بل وإن أساء إلى ابنه الوحيد مهما يكن قدر الإساءة. ولكن كم من الناس سيقيم ميزان العدل بيني وبينه.
وماذا أنا قائلة لأبي؟ طبعا سأخبره، ولكن ماذا يستطيع أن يفعل؟ لقد مارس مراد حقا شرعيا له، وأنا بين أمرين اثنين إما أن أقبل وأصمت، أو أثير الدنيا وأفضح ما ينبغي أن أستره من أمر بيتي، ولن أسيء بهذا إلا لولدي ولنفسي، وأنا لم يبق لي في الدنيا إلا ولدي.
قالت نازلي لمراد في أول لقاء بعد علمها بزواجه: مبروك. - خير. - مبروك يا مراد وكتر خيرك. - أعرفت؟ - لا شيء يختبئ. - لن تجدي مني أي تغيير. - لا يمكن أن تتغير. - كيف؟ ألا تخشين أن يجعلني الوضع الجديد أتغير؟ - إلى ماذا؟ أنت وقبل أن تتزوج لم تكن تهتم بي ولا بدياب أي اهتمام، فماذا يستطيع زواجك الجديد أن يصنع منك أسوأ من هذا؟ - هل ينقصك شيء؟ - أنا إنسانة، ولست مثلك. أنت كيان لا شأن له بالإنسانية. أنت عبارة عن سعار للمال وللجاه، وقد طمرت أطماعك الإنسان فيك حتى لتحسب أن الإنسان ما دام يأكل ويشرب فهو لا ينقصه شيء، فسؤالك إن كان ينقصني شيء غير غريب منك.
وأصر مراد قائلا: هل ينقصك شيء؟ - ينقصني الزوج لي، والأب لابني. فقط مسألة بسيطة. - لقد أفسدتك القراءة. - القراءة لا تفسد، وإنما الجهل هو الذي يفسد. - أنا جاهل؟! - لست مثقفا على أية حال. - الأمر لا يصل إلى قلة الأدب. - فعلا لك حق. فالحقائق دائما قلة أدب. - انتهينا. - بل بدأنا. - ماذا تريدين أن تفعلي؟ - ماذا تظن أنني سأفعل؟ - أنا لا أعلم أنت حرة. افعلي ما تشائين. - لا وحياة دياب لن أجعل حبيبا يرثى له أو لي، أو أجعل عدوا يشمت به أو بي. - أنت دائما عاقلة. - أكثر من اللازم. - هذا ما توقعته. - بل هذا ما شجعك على الزواج علي. - أتعتقدين ذلك؟ - أقول شجعك. أما السبب الحقيقي والأهم فهو أمر آخر أعرفه كل المعرفة. - ما هو؟ - المنفعة، الانتخابات، المال، الجاه، أخذ الرشاوى من الناس. - ماذا؟ ماذا؟ ما هذا كله؟ - أسباب زواجك إن لم يكن كل ما ذكرت فبعضه على الأقل. - لا، ناصحة. - لا، لست ناصحة، ولكن إن لم أعرف زوجي فمن أعرف؟ - أهكذا تظنين بي؟ - ليس ظنا بل ثقة تامة. - أنت متأكدة. - وأنت ألست متأكدا؟ - إن لم أسع إلى تحسين وضعي في هذا السن فمتى؟ - كل المسعورين يجدون الأعذار لسعارهم. - رجعنا إلى قلة الأدب. - العفو يا سعادة البك! أم تريد أن أقول الباشا، وما البأس الباشويات اليوم أصبحت على قفا من يشيل. - وسخرية أيضا! - قلنا العفو. - انتهينا. - انتهينا.
15
سافر مراد عدة مرات إلى دول أوروبية مختلفة، وكان يستعين بلغته الإنجليزية المتهرئة في بيع ما كان يحمله من تحف ومصوغات، وقد كان العائد ضخما جزيلا.
ولكن مراد أحس أن هذه المجوهرات التي كان يبيعها في شتى البلاد الأوروبية ليست هي كل ما يحصل عليه سعيد.
Page inconnue