Les relations entre les Arabes et les Perses et leurs cultures à l'époque préislamique et islamique
الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام
Genres
وقد بقيت اللغة الفارسية لغة الدواوين المالية في إيران حتى زمان عبد الملك بن مروان لغة التخاطب، ولا ريب أنها بقيت لغة التخاطب في إيران، ولا سيما في القرى والنواحي البعيدة فإنا قد وجدناها منذ القرن الثالث ترتقي إلى أن تكون لغة آداب، واللغة لا تموت جملة واحدة ولا تخلق جملة واحدة. على أن كثيرا من الدلائل يثبت أنها كانت لغة الكلام في هذه الفترة، أي قبل عصرها الأدبي الحديث.
وقد روى الطبري أغنية فارسية قيلت حينما رجع أسد بن عبد الله من غزوة في بلاد الختل. وقد انتقلت منها كلمات كثيرة إلى البلاد العربية مع النازحين من الفرس وتأثرت بها لهجات بعض العرب. وقد روى المؤرخون، أن إبراهيم الإمام العباسي حينما أوصى أبا مسلم الخراساني ببث الدعوة قال: «وإن استطعت ألا تبقي في خراسان لسانا عربيا فافعل»، وهذا يدل على أن لغة الجمهور هناك كانت الفارسية، بل كانت الفارسية لغة الفرس الذين نزحوا إلى العراق وامتزجوا بالعرب، فأرسل عبد الملك بن مروان إلى المختار بن أبي عبيدة حينما جاءوا معسكر ابن الأشتر وكان معظم أنصاره من الموالي، لم يسمعوا لغة عربية، وعبد الله بن زياد، وهو أمير عربي، كانت فيه لكنة فارسية (أخذها من زوج أمه).
والفرس الذين عرفوا العربية لم يخلصوا من لغتهم ولهجتها، وقد روى الجاحظ أن الحجاج قال لنخاس فارسي: أتبيع الدواب المعيبة من جند السلطان! فقال: «شريكاتنا في أهوازها وشريكاتنا في مدائنها وكما تجيء تكون »، فقال الحجاج: ويحك ما تقول؟ فقال بعض من كان اعتاد سماع الخطأ وكلام العلوج بالعربية حتى صار يفهم مثل ذلك: يقول: شركاؤنا بالأهواز والمدائن يبعثون إلينا بهذه الدواب، فنحن نبيعها على وجوهها. وأبو مسلم الخراساني على فصاحته التي جعلت رؤبة بن العجاج يقول: ما رأيت أعجميا أفصح منه، كان لا يستطيع النطق بالقاف، وبابك الخرمي كان لسانه منعقدا بالفارسية كما يقول صاحب الفهرست.
ويحدثنا الجاحظ أن لغة أهل البصرة بل لغة أهل المدينة، كان بها كثير من الكلمات الفارسية في أيامه، مما يدلنا على بقاء الفارسية وتأثيرها البعيد. ويحدثنا أيضا أنه سأل خادما له إلى من أرسل هذا الغلام؟ فقال: إلى أصحاب السندنعال، يعني النعال السندية. وأمثال هذا في كتب الأدب كثير وهو يحكي في كتاب البخلاء جملا فارسية كثيرة. ولهذا ثار النزاع منذ أيام أبي حنيفة على قراءة القرآن بالفارسية. و(به آفريد) الفارسي المتنبي على عهد أبي مسلم لما أراد أن يضع لأتباعه كتابا وضعه بالفارسية، ولست في حاجة إلى ذكر ما دخل العربية من الفارسية لا سيما في أسماء الطعون والأثاث، فكتب اللغة كفيلة بهذا، بل نجد بعض الشعراء يتملح بذكر ألفاظ فارسية في شعره. وقد روى بعض ذلك الجاحظ وجاء في شعر العماني الذي مدح به الرشيد.
الفصل الثالث
الفرس في الدولة والجماعة الإسلامية
وأما الفرس أنفسهم فقد خلطهم الإسلام بالعرب أي خلط، فالقبائل العربية انتشرت في الأرجاء الفارسية، والفرس انتقلوا إلى البلاد العربية أسارى أو مهاجرين طلبا للرزق أو العلم أو المناصب. فالمدينة على نأيها كان بها فرس، وهم قتلوا هنالك عمر وسعيد بن عثمان بن عفان.
وسرعان ما تعلم الفرس العربية وشاركوا في العلوم الإسلامية. ولكن كان للفرس قبل قيام الدولة العباسية حال تختلف عن حالهم بعدها كل الاختلاف.
كانت دولة الأمويين عربية وقليل من غير العرب من سموا فيها إلى الدرجات العالية، ولم تكن هذه سنة الإسلام ولكنها الضرورة. وكان العرب - لأنهم دعاة الدين وأصحاب الدولة ولأنهم الذين أقاموا الملك ونشروا الدين - يرون أنفسهم أجدر بالرياسة وأولى بالشرف على ما كان فيهم من الاعتداد بأنفسهم والفخر بأنسابهم منذ أيام الجاهلية، فسخط الفرس من أجل ذلك عليهم، ولكن الفرس لم يكونوا قد أفاقوا من دهشة الفتح الإسلامي ولم يكونوا قد تمكنوا في الإسلام واللغة وامتزجوا بالعرب امتزاجا يمكنهم من منافسة العرب. وما كان العرب قد ضعفوا وتغيروا وتفرقوا في الأقطار، بقي الفرس ساخطين لهذا ولعصبيتهم لآل البيت فاستعان بهم الثائرون على الأمويين، فكانوا عونا للمختار بن أبي عبيد ولعبد الرحمن بن الأشعث، وكان جيش المختار من الموالي إلا قليلا. وقد عتب العرب عليه إذ استعان بالعتقاء من الموالي ثم إعطائهم حظهم في الغنائم. ولما قال رسل عبد الملك لابن الأشتر: أجئت تقاتل جيوش الشام بهؤلاء؟ أجاب: ما هؤلاء إلا أبناء أساورة الفرس.
وإذا نظرنا إلى أن جيش المختار كان أول من ثأر للحسين بن علي وقتل من قتله أو أعان على قتله، عرفنا أحد الأسباب التي جمعت بين التشيع والفرس منذ أمد بعيد.
Page inconnue