حيدر :
لا تخف، إنما أصغ لكلامي وأجب عليه. كان لأحد الشيوخ الكبار في إحدى القبائل الهمجية نهمة غريبة في سرقة الأطفال وذبحها، وكان له أعوان وجواسيس يعملون بإشاراته، ويحترمون غريب شهواته، ولما استفحل أمره ولم يبق في القبيلة رضيع قامت الرجال والنساء على هذه الزمرة اللعينة، وألقت القبض على الشيخ، وعلى كل رجاله وجواسيسه، فقتلت منهم صغارهم ونفت كبارهم وسجنت أقاربهم وأنصارهم. أما الشيخ، فإجلالا لمقامه وعملا بأمر كهان القبيلة أقاموه حاكما عليهم بعد أن ندم أمام الكاهن والناس على آثامه كلها، ووعدهم ألا يقترف مثلها في المستقبل، فأثارت هذه المعاملة خواطر السجناء الأبرياء، وقاموا يطالبون بدمه باسم أطفال الإنسانية، وما انفكوا حتى فازوا فأراحوا القبيلة من شيخها السفاح الجبان ومن شركائه الكهان. فما قولك يا عبد الحميد في مثل هذا العمل؟ أعدل يعد أم لا؟
عبد الحميد :
وما معنى قولك هذا؟
حيدر :
إذا أبت الأمة قتل شيخها السفاح ...
عبد الحميد :
وهل تريد قتلي؟
حيدر :
أنا أحد عبيدك المخلصين يا مولاي، أنا أحد وزرائك الذين خدموك ليل نهار، ودفعوا عنك مرارا دسائس الأشرار، أنا الذي شربت من دم الأبرياء من أجلك، أنا الذي أكلت فلس الأرملة احتراما لأهوائك، أنا الذي نهب العباد ليرضي سيد العباد. أواه! أنا الذي أعمى الله البصر منه والبصيرة فجعلني من أصفياء عبد الحميد، أنا أحد تلك الآلات الصماء بيد الجبار الجزار. نعم، كنت آلة في الأمس وسأصير عليك غدا نكالا، أنا الآن آكل خبز الذل والهوان مع المجرمين، وأنت سيدي، ولي أمري، مالك عنقي، تتنعم اليوم في ألاتيني، كما كنت تتنعم أمس في يلدز؛ ذلك لأن الجهل لا يزال سائدا في الأمة، والظلم لا يزال مؤيدا في الحكومة؛ ذلك لأن الشرع يقدس شخصك، ويرذل من أجلك أمة بأسرها؛ ذلك لأن التقاليد الخبيثة الفاسدة تعزز مقامك، وتذل شأن الوطن والحكومة؛ ذلك لأن التعصب الديني والجنسي لا يزال قابضا على الصولجان في ديوان العدل والإنصاف؛ ذلك لأن ... (عبد الحميد يستوي واقفا ويهم بالخروج) ... مكانك يا عبد الحميد! أود والله لو تجسدت فيك هذه الشرائع، وهذه التقاليد، وهذه العادات، وهذه الأنظمة والقوانين كلها فأشد على عنقك بيدي وأريح العالم منك ومنها معا. (عبد الحميد يحاول الخروج فيرى الباب مقفلا)
Page inconnue