Le journalisme : une profession et une mission
الصحافة حرفة ورسالة
Genres
والصحيفة المثلى هي - بعد كل شيء - معهد عام وليست مشروعا خاصا؛ أي إنها تنصب نفسها وتنذر كتابها للخير والتربية والتطور والتجديد، توسع من صفحاته للكاتب الناضج، وتوسع من اختباراتها للكاتب البادئ، وتبقى أمام الشعب مصباحا يهدي في الظلمات وعنوانا لمعاني الشرف والخدمة.
ويجب ألا ننسى أن لهجة الكاتب وأسلوب تفكيره واتجاهه وهدفه، كل هذا ينتقل إلى القارئ، فيعين مزاجه بل يعين أخلاقه، فإذا كان الكاتب مكافحا فإن القارئ سيكون أيضا مكافحا، وإذا كان متفرجا محايدا فإن القارئ سيكون أيضا متفرجا محايدا.
وفي عصرنا هذا حيث تتعدد المذاهب والأفكار، وتتصارع الديمقراطية مع الأوتوقراطية، وتنتصب الحرية ضد الطغيان، وينهض الاستقلال ضد الاستعمار، ويجابه الفقر الفاحش الثراء الفاحش، في هذا العصر لا ينبغي أن يكون هناك إنسان محايد أو صحيفة محايدة.
وبعد كل هذا الذي ذكرنا، مما يوهم أن الصحافة مهنة شاقة كثيرة المسئوليات، نحتاج إلى أن نقول إنها ليست مهنة فحسب وإنما هي حياة أيضا؛ فالذي يختار الصحافة لا يختار مهنة للكسب فقط، بحيث يقصد إلى عمله في الصباح ثم يعود إلى بيته في المساء، وقد نسي مهنته، واشتغل بشئون عائلية أو اجتماعية أو ترويحية أخري.
لا ليست الصحافة كذلك؛ إذ هي مهنة وحياة معا، وأقرب الأشياء إليها، من حيث اندغام المهنة في الحياة، هو مهنة الزراعة أو مهنة التأليف، فالزراع لا يحترف الزراعة فقط ويفصلها من حياته، وإنما هو يحيا حياة الزراعة التي لا يقتصر اهتمامه بها على اقتصادياتها وما يكسب منها له ولعياله، وإنما هو يجد فيها أسلوبا للعيش وأهدافا للسعادة لا يجد مثلها ساكن المدينة، فهو يحب رؤية الأرض المحروثة يسير عليها ويتشمم منها أرج الخصوبة، وهو يألف البقرة والحمار والخروف ويحس صداقة إنسانية نحوها، وهو يخرج في ظلام الفجر الأبيض كي يرى الدنيا وهي صامتة قبل طلوع النهار، وهو يقنع بما يزرع ويحيا في بطء بلا عجلة أو هرولة، وطعامه ساذج، ولباسه ساذج، إذ هو إلى حد بعيد لا يزال ابن الطبيعة. الزراعة حياة كما هي حرفة.
وكذلك الشأن في الصحافة؛ فإن الصحفي العظيم يجد أنه مكلف دراسة الدنيا، وتلغرافات الصباح التي يقرأها، والتي ترد إليه من أنحاء العالم، يكاد يحس أنها رسالات شخصية إليه، والأسماء الجغرافية عنده تكتسب ألوانا إنسانية، وهو يدرس الدنيا والمجتمع والسياسة والجريمة والحرب والتاريخ والأدب والعلم، كما لو كانت جميعها ضرورية لحرفته أي لحياته، وهو لهذا السبب يحس ارتقاء متواصلا يقرأ، ويختبر، ويبحث عن الحادث الخطير، كي يتخلل أشخاصه ووقائعه ويعرف منه الأسرار في البواعث، وهو يزور الأقطار الأجنبية بنفس الإحساس الإنساني الذي يزور به المدن والقرى في وطنه، وهو - كما هي الحال عند محترفي التأليف للكتب - يقتني الكتب كي يقرأ ويستنير. أجل، ويؤلف.
وإذن يجب أن نقول إن أعظم ما يعوض الصحفي العظيم من مشاقه أنه يحس ارتقاء متواصلا عاما بعد آخر؛ أي يحس أنه ينمو، ويزداد نضجا، بل إيناعا، في الإنسانية.
Page inconnue