Le journalisme : une profession et une mission
الصحافة حرفة ورسالة
Genres
ولما تزوج الشيخ علي يوسف صاحب «المؤيد» ابنة الشيخ السادات أقام الأب دعوى عليه يطلب إلغاء الزواج بدعوى أنه صحفي، وأن الصحافة محتقرة، ولا يليق بمن تنسب إلى «الأشراف» مثل ابنته أن تصاهره، وحكمت المحكمة الشرعية بإلغاء الزواج على هذا الأساس؛ أي إن الصحافة مهنة غير شريفة، ومحترفها لا يليق لمصاهرة أسرة «شريفة».
وقبل نحو ثلاثين سنة كان صادق سلامة صحفيا في المنيا يراسل جرائد القاهرة، وكان يكتب في انتقاد المدير وسائر الموظفين المسئولين في المديرية، وغاظهم نقده، وذات صباح جاءه رجل البوليس يقوده إلى مأمور البندر، وهناك ووجه بتهمة التشرد، وتسلم «إنذار» التشرد، وكان هذا الإجراء بعض ما يلاقيه الصحفيون من رجال الإدارة والسياسة في مصر في تلك الأيام.
ولكن صادق سلامة كان رجلا إلى نخاع عظامه، فقصد إلى القاهرة، وسعى حتى حصل على رخصة بإصدار صحيفة أسبوعية أسماها «الإنذار» تخليدا للفضيحة التي ارتكبها رجال الإدارة معه في المنيا، وقد شرفني بالتحرير فيها فيما بين 1948 و1952.
والواقع أن الصحافة قبل نحو أربعين أو خمسين سنة كانت من المهن المحتقرة، إذا اعتبرنا أن نوع النجاح الذي يعترف به المجتمع هو النجاح المالي، فإني أذكر أني اشتغلت في «اللواء» سنة 1909 بأجر شهري قدره سبعة جنيهات، وخرجت لعجز الجريدة عن دفع أجري، بل خرجت ولي عندها متأخر شهرين أو ثلاثة شهور.
ونستطيع أن نعزو انحطاط الصحافة المصرية إلى جملة أسباب:
أولها أن الحكومة الاستعمارية الاستبدادية كانت تطاردها باعتبار أنها تحمل راية النقد لإدارة يجب أن تبقى مستترة عن أعين الجمهور، وكانت أيضا تدعو إلى جلاء الإنجليز المحتلين لبلادنا.
ثم كان تأخر التعليم، وتحديد عدد المدارس الحكومية، يعمم الأمية أو يكاد بين طبقات الشعب، فكان جمهور القراء صغيرا لا يغذو جريدة يومية أو أسبوعية كثيرة النفقات؛ فكانت أجور الصحفيين - تبعا لذلك - منخفضة.
ولذلك كانت جرائدنا على الدوام في إفلاس، بين التعطيل والغرامة وحبس المحررين والمخبرين، ولم تكن في حالها هذه تتيح للصحفي أن يتربى التربية الصحفية، وقد مات اللواء، ومات بعده المؤيد، ثم الدستور، ثم الجريدة، وهذا غير عشرات المجلات، وأصبح الاعتقاد العام أن الصحافة مهنة خطرة تؤدي إلى الحبس، كما هي مهنة المفلسين أو الموشكين على الإفلاس؛ ولذلك لك يكن يقبل عليها الأكفاء الذين يجدون عملا آخر يتيح لهم الطمأنينة والكسب إلا أولئك الهواة المهووسين بالفن، وهؤلاء كانوا على الدوام قلة.
ولهذه الأسباب جميعها كثيرا ما كنا نجد الشبان يلجئون إلى الصحافة كما لو كانت معبرا يعبرون منه إلى وظيفة حكومية، وكثيرا ما حدث هذا فإن المحرر أو المخبر باتصالاته بالموظفين كان يجد الفرصة لأن يثب من الصحافة إلى الوظيفة ويترك الصحافة في غير أسف.
وبقي إحساس الخطر من مهنة الصحافة قائما عند كثير من الصحفيين إلى وقت قريب، فإن الصحفي لم يكن لينتظر من مهنته أن تكون رسالة حياته أو على الأقل مورد رزقه طيلة حياته، فكان يجمع منها ما يستطيع من مال كي يشتري ضيعة أو يقتني منزلا، وهو بهذا العمل كان يخرب صحيفته إذ يكف عن ترقيتها بالإنفاق عليها حتى تزداد خدمتها للجمهور؛ ولذلك كثيرا ما ماتت الصحف لأن أصحابها لم يرعوها بالتحسين والتوسع.
Page inconnue