21
لا تحلو، ولا تساغ، ولا تشرب؟ إنك لست على أرض من الملح، ولكنك يا ماء البحر ذابت فيك الحكمة الملحة! •••
ما الفراق إلا أن تشعر الأرواح المفارقة أحبتها بمس الفناء؛ لأن أرواحا أخرى فارقتها؛ ففي الموت يمس وجودنا ليتحطم، وفي الفراق يمس ليلتوي، وكأنه الذي يقبض الروح في كفه حين موتها هو الذي يلمسها عند الفراق بأطراف أصابعه!
وإنما الحبيب وجود حبيبه؛ لأن فيه عواطفه، فعند الفراق تنتزع قطعة من وجودنا؛ فنرجع باكين، ونجلس في كل مكان محزونين، كأن في القلوب معنى من المناحة على معنى من الموت!
وكل ما فيه الحب فهو وحده الحياة، ولو كان صغيرا لا خطر له، ولو كان خسيسا لا قيمة له، كأن الحبيب يتخذ في وجودنا صورة معنوية من القلب! والقلب على صغره يخرج منه كل الدم، ويعود إليه كل الدم.
في الحب يتعلم القلب كيف يتألم بالمعاني التي يجردها من أشخاصها المحبوبة، وكانت كامنة فيهم، وبالفراق يتعلم القلب كيف يتوجع بالمعاني التي يجردها هو من نفسه، وكانت كامنة فيه.
فترى العمر يتسلل يوما فيوما، ولا نشعر به، ولكن متى فارقنا من نحبهم نبه القلب فينا بغتة معنى الزمن الراحل، فكان من الفراق على نفوسنا انفجار كتطاير عدة سنين من الحياة.
وترى العمر يمتلئ شيئا فشيئا، ولا نحس الزيادة كيف تزيد: فإذا فارقنا من نحبهم نبه القلب فينا معني الفراغ؛ فكان من الفراق على أكبادنا ظمأ كظمأ السقاء الذي فرغ ماؤه فجف، وكان الفراق جفافه.
ألا يا طائر الحب، إن لك إذا طرت جناحين؛ فما أقرب من هو على جناح الفراق ممن هو على جناح الهجر.
هوامش
Page inconnue