Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genres
وما من أحد يجهل الشعور الذي تقابل به النساء نصيحة كتلك النصيحة، فأقل ما يقال إنه شعور لا غرابة فيه.
ثم ها هي ذي مسألة الخلافة والترشيح لها من بين عظماء الصحابة الذين بقوا على قيد الحياة بعد موت أبي بكر وعمر وعثمان، ومن هؤلاء الصحابة علي وطلحة والزبير، وكلهم قد ندبوا للاجتماع في بيت عائشة لاختيار واحد منهم للخلافة، وقال لهم عمر يومئذ: «إني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم، وقد قبض رسول الله وهو عنكم راض، وإني لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم، ولكن ما أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة فتشاوروا واختاروا رجلا منكم.»
وكان جائزا أن يقع الاختيار في بيت عائشة على طلحة أو الزبير؛ لأنهما وكيلان من وكلاء الشورى.
ثم انقضت خلافة عثمان، وتجددت المسألة كرة أخرى على النحو الذي شهدته عائشة قديما في بيتها. فمع من يكون شعورها؟
إن طلحة والزبير مرشحان للخلافة منذ اثنتي عشرة سنة، وقد تكرر اختيار الخليفة من غير بني هاشم حتى أصبح في رأي بعضهم كالعرف الذي جرى عليه التقليد، وليس لعلي سند قاطع من القرآن أو السنة يبطل ذلك العرف ويسقط حجة طلحة والزبير. فإذا كانت السيدة عائشة أميل إلى طريق طلحة والزبير بشعورها وسابقة رجائها، فليس ذلك - كما أسلفنا - بغريب ولا مخالف للمعهود في طبائع الناس.
على أننا لا نريد بما تقدم أن نسوغ موقف السيدة عائشة من وقعة الجمل وخصومات الخلافة، وإنما أردنا تفسير شعورها على الوجه الذي لا غرابة فيه، ولم نرد تسويغه في نظر العقل ولا في نظر التاريخ .
فعلي قد أخطأه التوفيق في نصيحته، وعائشة قد أخطأها التوفيق في مكافحته من أجل هذه النصيحة، وإن كانت لا تلام على أنها كانت تتمنى الخلافة لسواه.
ولكننا إذا ذكرنا هذا كان علينا أن نذكر معه أن السيدة عائشة ندمت على موقفها من يوم الجمل أشد ندامة، فكانت تقول بقية حياتها: ليتني مت قبل يوم الجمل، وقالت مرة: ليت كان لي من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بنون عشرة وثكلتهم ولم يكن يوم الجمل. وكانت كلما خاض الناس في حديث ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها.
Page inconnue