Communisme et Humanisme dans la Loi de l'Islam
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وإذا سأل السائل: ما هو الفرق بين الساعة الاجتماعية في مصنع الحديد وبين أفران الخبز؟ وكيف يكون العدل أو المعادلة في الصناعتين بين الأجر والربح ورأس المال؟ فبماذا تسعفنا كلمة الساعة الاجتماعية في جواب هذا السؤال؟
إن رأس المال المتنقل في الأفران أكثر من رأس المال المتنقل في مصانع الحديد، وصاحب الفرن لا يتكلف لإقامة مصنعه، كما يتكلف صاحب مصنع الحديد عند بناء الدار وشراء العدد واستئجار المهندسين والخبراء، وقد تدور «ألف دينار» من رأس المال كل أسبوع بربح جديد في صناعة الخبز وتوزيعه على العملاء، ولا تدور هذه «الألف» بعينها إلا مرة أو مرتين، ولا شك أن مقياس الربح هنا غير مقياس الربح هناك، فما هو الفرق بين الساعتين الاجتماعيتين: ساعة في المخبز، وساعة في مصنع الحديد؟ وهل نجعل لكل صناعة ساعة اجتماعية تدور معها بمقاييس العدل والظلم ومقادير الأجور والأرباح؟
وهل يستطيع أحد - بناء على هذا التعريف - أن يدعي الحكم المبرم في قضائه على المجتمعات بتواريخها وعاداتها وآدابها وأديانها ونظم السياسة والشريعة فيها؟ وهل يمتنع التردد على ضمير يستند إلى ذلك التعريف قبل خوض الدماء والأشلاء إلا أن يكون ضميرا مسيخا أعماه الدغل عن منافذ الشك التي تتفتح أمامه كما تتفتح منافذ الغرابيل؟
والمصادفة لا تطرد في الخطأ الفكري على وجهة واحدة من الجانبين المتقابلين، فلا يجوز أن يخطئ الفكر - مصادفة - في قبول القيمة الفائضة على الرغم من تراكم الأدلة التي تنفيها أو تشكك فيها، وأن يخطئ - مصادفة - في إنكار النظريات التي تخالفها على الرغم من تراكم الأدلة التي تؤيدها أو ترجحها، فليس هذا الاطراد من مصادفات الخطأ على نسق واحد طردا وعكسا ثم عكسا وطردا من الجانبين، ولكنه هوى يغلب على العقل فيتجه به إلى وجهة واحدة حيث مال.
انظر مثلا إلى «القيمة الفائضة» التي يختار لها في الجزء الأول من كتاب «رأس المال» مثل الربح المكسوب للتاجر من ثمن الحصان، وهو يختار الحصان عمدا ليقول: إنه سلعة لا يضاف إليها شيء من عند صاحب المال.
فلو أراد أحد أن يختار مثلا ينقض نظرية «كارل ماركس» لكان مثل الحصان أصلح الأمثلة لنقضه، وكان أصلح من السلعة المصنوعة التي لا تحيا ولا تموت!
فالسلعة الجامدة قد تبقى زمنا بغير عمل مضاف يعمله التاجر للمحافظة عليها، ولكن الحصان يحتاج إلى العلف والسقي والسياسة والحراسة، ولا تبقى له قيمة الحصان التي من أجلها يباع ويشترى إذا هزل أو مرض أو ذهب فريسة لوحش من الوحوش، وفي هذا المثل ترتبط القيمة كلها بعمل التاجر، ولا تبقى للحصان قيمة أصيلة ولا قيمة فائضة بغير ذلك العمل.
ولا ينوب عن تاجر الخيل كل تاجر يبذل ثمن الحصان ثم يبيعه رابحا فيه، بل لا بد من معرفة خاصة بالخيل وأوصافها ولوازمها ووسائل المحافظة عليها وعرضها في أسواقها، أو حيث يشتريها من يطلبها، وليست هذه المعلومات العامة مما يجهله أحد لو أراد أن يعرفه ويدخله في حسابه، إلا أن «كارل ماركس» ضرب المثل بالحصان وقال: إن التاجر يشتريه بمائة جنيه وهو ينوي أن يبيعه بمائة وعشرين جنيها، ولو لم يكلفه شيئا من النفقة بين المشترى والمبيع، ونسي أن تجارة الخيل لا تقوم على هذا الافتراض، وأن الربح في هذه الحالة إنما يصح أن يقال: إنه بغير عمل وبغير مقابل إذا تساوى وجود التاجر وعدمه، فهل هما مستويان؟ وهل يقبل «ماركس» هذا التساوي المزعوم بهذه السهولة إذا كان فيه إنكار للقيمة الفائضة؟
لقد كان مثل الحصان هذا محل مناقشة بين أصحاب النظريات الاقتصادية لبيان عمل التاجر في صفقته التجارية، فقال بعضهم: إن التاجر خدم البائع ؛ لأنه أعطاه مالا أنفع لديه من الحصان ، وخدم الشاري؛ لأنه أعطاه حصانا أنفع لديه من ثمنه، وأخذ على عاتقه أن ينوب عنهما في البحث عن فرص البيع والشراء، وهو عمل له جزاء، ولكن «ماركس» يسمي هذا الاقتصاد باقتصاد الرعاع أو الأوباش - وهي تسمية لا تستغرب من أحد، كما تستغرب من الرجل الذي جعل رسالته تسليم العالم بقضه وقضيضه للصعاليك - ومن تفكير الرعاع عنده أن يقال: إن التاجر قد خلق قيمة للحصان بعمله، وأن يوصف عمله بشيء غير صفة التداول
5
Page inconnue