Communisme et Humanisme dans la Loi de l'Islam
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وكلما اتسع ميدان الصناعة تضاعفت الحاجة إلى طبقة الخبراء والمهندسين والمديرين وذوي الكفايات على تنوعها، فتدبير الصناعة في الميدان العالمي أصعب جدا من تدبيرها في الميدان القومي أو ميدان الأمة الواحدة.
هنا بلاد تكثر فيها الخامات، وهنا بلاد تصلح لإقامة المصانع لهذا الصنف ولا تصلح مصانعها للأصناف الأخرى، وهنا بلاد ميسرة لمراكز المواصلات، وهنا بلاد تقبل على الأكسية ولا تقبل على الأطعمة، وهنا بلاد يكفيها مهندسوها وخبراؤها ومديروها ويزيدون على حاجتها، وهنا بلاد تطلبهم من غيرها أو تستعين بهم حيث كانوا ولا تتمكن من تنشئة فريق منهم بين أبنائها، وهنا مبادلات ومقايضات، وهنا معاملة بالنقد أو بالصفقات التجارية، ويحيط بكل هذه البلدان عالم متغير متنقل على حسب الأطوار البشرية والطبيعية والحوادث التي تخطر على البال أو الحوادث التي لا تقع في الحسبان، فمن تخيل أن هذا العالم في ميادينه الصناعية والاقتصادية يخلو فيه مكان المديرين والساسة وذوي الكفايات الذهنية والخلقية، فإنه لكاسد الذهن حقا مطموس الخيال أو مطموس الحس والعيان.
ومن تخيل أن «العملة» بأية صورة من صورها تبطل في هذا العالم، فمن البلاء حقا أن يسمع له رأي في مقادير الأمم وأطوار التاريخ، ومن تخيل بعد خروج العملة - إن خرجت - أن هذه العوامل المتشابكة تساس وحدها وتترك الملايين من الخلق يأخذ كل منهم حقه ولا يزيد عليه، ويعرف كل منهم كفايته ولا يدعي ما عداها، وتوزن فيه المطالب اليومية والسنوية بميزان الشعرة - الذي يرضي كل آخذ وكل مانح - فليس في الحالمين ولا في المخرفين من أمعن في التخيل وراء هذا الإمعان، ومن تحدث عن الغيب المجهول بسند أضعف من هذا السند، وتلفيق أوهن من هذا التلفيق. •••
إن الواقع أمام أعيننا قد عصف بالمذهب المادي في مسألة الطبقات عصفا يزيل الثقة بنبوءاته عن الحاضر والمستقبل، ولا ضرورة مع هذا لإزالة الثقة واقتلاعها من جذورها؛ لأن الثقة التامة واجبة لكل مذهب يطلب من الناس أن يتابعوه إلى نتائجه الهائلة في تاريخ الإنسانية، فإذا تزعزعت الثقة التامة، فهذا التزعزع كاف عند كل ذي ضمير للإحجام الطويل.
شرور أهون من تلك الشرور، وعاقبة أقرب إلى المداركة من تلك العاقبة.
وليست النتيجة المعكوسة في أمر الطبقة العاملة أو الأمم التي تروج فيها الشيوعية هي كل ما يعصف بالمذهب بين يدي هذه العواقب وتلك الشرور، فإن نجاح الدعوة الشيوعية بين الأمم المتأخرة يصيب المذهب في مقاتل شتى ولا يصيبه في مقتل واحد، إنه يصيبه في مقتله، حيث يثبت أن الدعوة السياسية تفعل ما لا تفعله أطوار الاقتصاد في عهد الصناعة الكبرى، ويقلب المذهب القائم على سبق وسائل الإنتاج لكل دعوة سياسية أو فكرية، وأنه يصيبه في مقتله مرة أخرى حين يثبت أنه مذهب متأخر لا يساغ في غير الشعوب المتأخرة، وأنه فتنة كسائر الفتن التي أصغى فيها الجهلاء لكل ناعق منذ عرفت هذه الفتن في تاريخ الحضارة أو تاريخ الهمجية. •••
وقبل ختام هذا الفصل نقول: إننا لم نكتبه في نشأة الطبقة من وجهة عامة؛ لأنه شرح طويل لا ينهض به فصل في كتاب، ولكننا كتبناه عن نشأة الطبقة في مذهب «كارل ماركس»؛ لندل على الخلط في دعامة من أضخم دعامات المذهب يرتفع بارتفاعها ويهبط بهبوطها. ونحن - بعد - لا نخرج عن الموضوع إذا أضفنا إليه إلمامة عاجلة بآراء الباحثين عن نشأة الطبقة من غير القائلين بالفلسفة المادية الاقتصادية؛ لأنها تساعد على المقابلة بين الأقوال المتعارضة في نشأة الطبقات الاجتماعية.
نشطت البحوث الأثنولوجية بعد عصر «كارل ماركس»، وألقيت الأضواء المتلاحقة على مطلع التاريخ وأحوال الجماعات البدائية في الأزمنة الأولى وفي الزمن الحاضر، واشتركت الدراسات النفسية والدراسات الأثنولوجية في هذا الباب، فتجمعت منها خلاصة حسنة في هذه الناحية من البحوث الاجتماعية.
وأقوى الآراء عن نشأة الطبقة وبنائها التقليدي منذ نشأتها الأولى أنها ترجع إلى النسب والسلالة، وأن الغالب على سادة المجتمع أن يكونوا من سلالة طارئة على الوطن الأصيل، ينظرون إلى أبنائه نظرة الغالب إلى المغلوب، ويترفعون عن معاملتهم في الشئون العامة أو الخاصة معاملة الأنداد، ثم تتبدل الطبقة مع الزمن بما يعتري الطبقة الممتازة من النقص والفساد، وما تكسبه الطبقات الأخرى من المزايا والكفايات.
وأشهر القائلين بهذا الرأي «جوزيف شمبيتر» في بحوثه عن «الاستعمار والطبقات الاجتماعية»،
Page inconnue