Communisme et Humanisme dans la Loi de l'Islam
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وتلخيص «موير» هذا لفتنة الزنج، يصدر عن نظرة تاريخية على الحيدة بين الداعية والدولة التي يثور عليها، فلا يمتزج بالغضب الديني الذي يشعر به المؤرخ المسلم وهو يتكلم عن فتنة من فتن المروق والإباحة والافتراء على العترة النبوية، وهي في رواية «موير» على نسق تام مع الثورات التي من قبيلها، وإن تفاوتت أبعد التفاوت في الأزمنة والأمكنة وأجناس الثوار ومطالبهم وعقائدهم التي يأخذون بها أو ينتقضون عليها، فكلها ثورات حصلت لأنها أمكنت، وكلها ثورات أمكنت؛ لأنها ثورات أناس من أصحاب الشكايات الاجتماعية أو المنتفعين بالقلاقل والفوضى حيث كانت، تجمعوا في صعيد واحد، واستضعفوا السلطان لما مني به من الهزيمة والعجز، فاستخفوا بأمر الخروج عليه، ولا يلزم من ثوراتهم هذه أن يكونوا من الفلاحين أو الصناع أو «العاطلين»، ولا أن تتقدم ثوراتهم أو تتأخر، حسب الأطوار التي يرتبها «كارل ماركس» على هواه.
أما هوى «كارل ماركس» فهو أن تكون الثورة - تطبيقا لرأيه في الصناعة الكبرى - محصورة في «البرولتارية» التي تأتي بعد نبوءته آخر الزمان؛ لأنها لو لم تكن محصورة على هذا النحو لما جاز أن يتطرق منها إلى هدم المجتمعات كافة وإنكار الماضي بحذافيره، ولكان حكمها في العصر الحاضر كحكم تلك الثورات التي انقضت بانقضاء أيامها وجرى التاريخ بعدها في مجراه. غير مقيد بالخطة التي رسمها له، ولم يأذن له بالانحراف عنها يمنة أو يسرة إلى غير نهاية!
ولقد اتجهت في الزمن الحاضر - قبل منتصف القرن العشرين - دعوات ثورية إلى جماعات من الأجراء غير دعوة الشيوعية، فاستجاب لها أولئك الأجراء حينما انخدعوا بوعودها وأمكنهم أن يستجيبوا لها، واستثيرت حماستهم تارة باسم الغيرة الوطنية التي يحسبها «كارل ماركس» في أكاذيب الطبقات، وتارة باسم الدين أو باسم مذهب واحد من مذاهب الدين، وكان أناس من هؤلاء الأجراء يعملون في الصناعات، وأناس منهم يعملون في المجازر التي تتجر باللحوم ولا تتوقف أعمالها على صناعات العصر الحديث، وعلى هذا المثال كانت دعوة «بيرون » وزملائه في الأرجنتين، وكانت دعوات مثلها بين شعوب أمريكا الجنوبية من جميع الأجناس والنحل والأعمال.
وليس من جديد الشيوعية الماركسية، أو من أفنانينها المستحدثة، أن تستهوي إليها أناسا متفرقين في المجتمعات غير الأجراء وأصحاب الشكايات الاجتماعية، فهذا الاستهواء ميسور لكل دعوة تتجه إلى الغرائز الخسيسة، وتزين لأصحابها رذائلهم التي تسقطهم وتذلهم كلما قيسوا بمقاييس المجتمعات القائمة. وكل داعية يشفي حزازة الحسد والكراهية بين المحرومين أو غير المحرومين، فهو على ثقة من استهواء الأسماع واستدراج الأنصار الذين يتهوسون بمثل هذه الدعوات تهوس الجنون؛ لأنها تخاطبهم من كل ناحية مرذولة يتحرقون على التخلص منها، وتقودهم بزمام الضغينة العمياء والعدوان المتحفز والهوان الجاثم على الصدور من رواسب آلاف السنين، وما من شيء يجعل العقل البشري بعيدا غاية البعد عن النظرة العلمية، كتلك الحالة التي يتطلبها دعاة الماركسية من المدعوين إليها، وهي حالة الضغينة المتحكمة والغرائز المتمردة والجموح الذي لا يخجل من عرف أو شريعة أو حياء، وكل وهم من الأوهام الحمقاء أو باعث من البواعث البهيمية، فهو مصدق عند من تتحكم فيه تلك الحالة بغير سند أو برهان، على النقيض من جميع الإسناد والبراهين، ويا له من علم ذلك العلم الذي تتمخض عنه طبائع دعاة من طراز «كارل ماركس»، وتتلقاه طبائع المدعوين إليه من صرعى الأحقاد والغرائز العمياء.
وإنك لتنظر إلى كائن من كان من المستعدين لسماع تلك الدعوة، فلا تخطئ الصفة الغالبة عليه أو الصفة المتحكمة في أهوائه بين ما يرضاه أو يأباه، ولا تكون تلك الصفة في أحد منهم بمعزل عن الأنانية المطبقة والاتهام السريع ولو فيما بينهم من أقرب المقربين.
فلولا الشغلان الشاغل بنوبة العلم في القرن التاسع عشر، لما جاز أن تحمل على المحمل العلمي سخيمة الماركسية التي لا محل لها في غير الظواهر النفسية، سواء أخذناها من مصدرها في نفس داعيتها أو أخذناها من مآلها في نفوس المصغين إليها، أو أخذناها من الشعور الذي تعول عليه آخر الأمر وهو شعور اليأس المستميت الذي يقال لأصحابه: إنكم تصدقون الشيوعية كما تصدقون غيرها؛ لأن خراب العالم لا يعنيكم ولا تفقدون فيه غير قيودكم!
والعلم لا يسمى علما إن لم نعرف ما يناقضه، أو يناقض طبيعته على وجوه الدعاوى السافرة، ولا سيما الدعاوى التي تجر وراءها هدما معجلا لكل ما بناه الناس من شتى الأمم في مختلف العصور.
وأي شيء نعرف من العلم أنه مناقض لطبيعته إن لم نعرف ذلك في دعوى المدعين أن قوانين الكون الأبدية تكشفت في مدى التاريخ الاجتماعي، وباحت بأسرارها لعقل واحد يتحكم في مجرى التاريخ المقبل إلى غاية مداه؟
وأي أسرار هذه الأسرار التي لا نقض لها ولا معقب عليها؟
تلك الأسرار هي تعريف قيمة السلعة، أو تعريف الطبقة الاجتماعية، أو تعريف المادة، أو تعريف التفسير المادي للتاريخ بعد تعريفها.
Page inconnue