Communisme et Humanisme dans la Loi de l'Islam
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وهذه تعليلات تنظر إلى الوقائع الصحيحة ولا تستوعبها؛ لأنها لم تلتفت إلى الجانب المهم من الوراثة وعلاماتها الواضحة في أبويه، وليست الوراثة مما يهمل في شأن إنسان من الناس حيث كان وكيف كان، ولكنها في شأن «كارل ماركس» أحق بالالتفات إليها والبحث عن الصلة بينها وبين قواعد مذهبه وغاياته؛ لأنها وثيقة الصلة بتلك القواعد والغايات.
لقد كان «كارل ماركس» ينحدر من أبوين ينتميان - كلاهما - إلى طائفة الربانيين والحاخامات اليهود، وكان أبوه فقيها دينيا، وأمه من سلالة اليهود الهولنديين الذين هاجروا إلى بلاد المجر في القرن التاسع عشر لكثرة من في هذه البلاد من اليهود وأصحاب المزارع والأموال.
جاء في كتاب «الحركات الاجتماعية الاقتصادية» لمؤلفه «هاري ليدلر»:
12 «إن أباه كان من رجال الشريعة الإسرائيليين، وإن جده كان من البرنانيين، وإن أمه تنحدر من أسرة هولندية ربانية هاجرت من هولندا في القرن السابع عشر إلى البلاد المجرية.»
وهذه الأسرة العريقة في الديانة اليهودية قد تحولت - أبا وأما - عن دينها إلى الدين المسيحي بعد ولادة «كارل» بست سنوات، ولم يتحول الأبوان معا عن عقيدة وإيمان صادق بالمسيحية، ولكنهما اتفقا على ترك الدين الذي انحدرا من سلالة فقهائه ورؤسائه تمهيدا لفرص العيش، ثم تمهيدا لفرص المستقبل أمام الابن الذي بلغ السادسة، وأرادا في هذه السن الباكرة أن يحولاه معهما عن ديانة الآباء والأجداد إلى ديانة الدولة والمجتمع الذي يعيشان فيه، وليس أنسب من سن السادسة، لتحويل طفل صغير من دين إلى دين؛ لأنه قد يتأخر عن السن المناسبة لتبديل معتقداته وشعائره، إذا بلغ سن المراهقة على دين الآباء والأجداد.
أيمكن أن تنفصل هذه الحادثة عن مذهب «كارل ماركس» في جوهره ولبابه؟ أيمكن أن تنفصل عن شعوره بالدين وشعوره بالعقيدة الروحية على اختلاف مناحيها؟
لقد أقام «كارل ماركس» مذهبه على المادية الاقتصادية، وكان قوام هذا المذهب أن الديانات والعقائد جميعا إنما هي انعكاس الضرورات الاقتصادية في المجتمع، كما تتمثل في عباداته وعاداته.
وليس في هذا المذهب شيء يناقض الواقع المحسوس الذي شب عليه في طفولته بين أبويه.
ولا تكون «المادية الاقتصادية» هنا فكرة من أفكار البحث والمنطق والدراسة العقلية وكفى، بل تكون في ضميره لاعجة من أقوى اللواعج النفسية التي تتطلب التنفس والتهدئة، وتهمة كامنة في الأعماق تحاول جهدها أن تنتفض من أعماقها وتتخذ لها نزعة من نوازع التسويغ أو نوازع التحدي والمفاخرة، حينما تفتحت لها دخائل الفكر والوجدان.
وكأنه يقول من وراء المادية الاقتصادية متسائلا متحديا: ماذا صنع أبواي؟ أتراهما صنعا شيئا يعاب عليهما أو يعاب على أحد؟ أتراهما على نقص في الأخلاق والضمير؛ لأنهما تحولا عن الدين التماسا للمنفعة الاقتصادية أو المنفعة المادية؟
Page inconnue