Communisme et Humanisme dans la Loi de l'Islam
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
ولا يحتمل هذا القول مغالطة أو مكابرة إلا من جماعة الدعاة الذين يخاطبون الغرائز ولا يخاطبون العقول والضمائر، فإذا قال هؤلاء لأصحاب الغرائز التي تخذلها عقولها وضمائرها: ماذا تصنع المعدة الجائعة بالفن والأدب والعلم؟ فهذا كلام قد يصلح للتدجيل والتضليل، ولكنه لا يصلح لتقرير الحقائق ولا لإشباع الجياع، ولو سمع هذا الكلام من فجر التاريخ لما وجدت الآن الآلات والمكنات التي لولاها لمات العاملون جوعا، ولم يجدوا ما يعملونه فضلا عما يكسبونه من العمل، ولو توقف صنع الفن وبناء الصروح ونسج الأكسية واستخراج المعادن والجواهر إلى أن تتم الضروريات المزعومة منذ فجر التاريخ، لذهبت هذه الصناعات الضرورية لحسبانها يومئذ من الكماليات.
وهؤلاء الدعاة يتخيلون أو يريدون من الناس أن يتخيلوا أن الإنسانية معدة واحدة، لا تعمل حتى تشبع وتروى، وينسون أن الإنسانية ملايين من المعدات والعقول والأذواق تستطيع أن تعمل معا - ولا بد أن تعمل معا - وإلا ضاع الجياع في مقدمة الضائعين، وهكذا عملت الإنسانية، وهكذا عملت الطبيعة، وهكذا عمل الكون منذ كان. وليس من الكماليات ما هو أقل لزوما من الصروح التي كانت تبنى منذ خمسين قرنا في الحضارات الأولى، ولكنها لو توقفت يومئذ لما كان لدينا اليوم صناعة بناء، ولا صناعة ملاحة، ولا صناعة معادن، ولا صناعة نقش وتجميل، ولكان أول الضائعين بذلك طلاب الضروريات! •••
كنا في لجنة المعارف بمجلس النواب، ودار البحث على الفنون الجميلة، فقال بعضهم: إنها من الكماليات، فكان جوابي للقائل: نعم لعلها كذلك، ولكننا إذا كنا نعيش بالضروريات فإنما نعيش بالكماليات.
وخرجنا من اللجنة، ووصلنا في أثناء الحديث إلى ميدان الأزهار، فلقينا رتل من مركبات النقل ليس بينها مركبة واحدة لم تزوق بالألوان، أو لم تعلق في عنق حصانها شرابة ملونة الأهداب، قلت لصاحبي: أتظن هؤلاء السائقين من المترفين الذين شبعوا من الضروريات؟ أتظن واحدا منهم في غنى عن ثمن الطلاء الذي يزوق به خشب المركبة؟ أتظن هذه «اللاسة» المزخرفة ضرورية لوقاية رأسه؟ ثم هذا الغناء في إبان الشغل: كيف تحسبه في أبواب الميزانية؟ وكيف تمنعه دون أن تمنع معه شيئا من النشاط وشيئا من الحماسة النفسية؟
هذه ملاحظة ترى في كل مكان، وليست مما نفقده في وقت من الأوقات، ويمكننا جميعا أن نراه في جميع الأوقات وجميع المناسبات.
وندع مركبات النقل، وننظر إلى السيارات، فكم نرى منها للضرورة وكم نرى منها للكماليات؟ إنها تتفاوت بالمتانة والسرعة، وتتفاوت كذلك بالشكل والقالب، وبالمنظر الذي يأخذ البصر من النظرة الأولى، وإليه يلتفت المعجب بها لأول وهلة، ولأجله قبل غيره يبذل الفرق في الثمن عشرات أو مئات من الجنيهات.
وندع الصناعة والمصنوعات، ونتجه إلى الطبيعة في مروجها وحقولها وغيطانها، ولا نقول إلى بساتينها وحدائقها، ولا إلى ما في البساتين والحدائق من الورد والنرجس والريحان، فربما قيل عن هذه الأزهار بأشجارها جميعا: إنها «كماليات» مزهود فيها.
ننظر إلى غيط الفول، وناهيك بكلمة الفول وحدها رمزا للأكل، بل للعلف الذي ينزل من طبقات الضروريات إلى قرار القرار، فأية حسناء من المترفات تتخطر برائحة أجمل من رائحة غيط الفول؟! وأي زينة لديها أنقى من زينة زهرة الفول؟! ما فائدتها؟! ما جدواها؟! ما تفسيرها بلغة الضروريات؟!
لعلها تغري الحشرات بنقل اللقاح؟! ولعلها تغري النحل بصنع الرحيق؟! ربما حدث هذا وذاك، ولا علينا من حاجة القول إلى نقل اللقاح أو استغنائه عنه، ولا علينا من عمى بعض الحشرات عن اللون وعن الرائحة؟ ولا علينا من الحشرات نفسها ما الذي ينقل لقاحها؟ وفي أي شيء ترسم لها الطبيعة ألوانها وتوشي لها أجنحتها؟ بيد أننا نقول: إننا نصف الشيوعيين - أحيانا - بوصف الحشرات ولا نمزح؛ لأنهم يرتضون لأنفسهم مرتبة من الخلق دون مرتبة الحشرة التي يستهويها الجمال، ولا تفسر كل عمل من أعمالها بوسائل الإنتاج. •••
وسواء قصدنا إلى المزح، أو لم نقصد إليه، فنحن نمزح على الرغم منا كلما عالجنا البحث في هذا الذي يسميه الماديون التاريخيون رأيا يرتئونه عن أصل العلوم، لأن رأيهم هذا وقار يشبه الهزل أو هزل يشبه بالوقار.
Page inconnue